الحق أن الكثير من الأسئلة المتسرعة التي يمطرها بعض النواب على هامة الوزراء، تبدو لي كفعل حاطب ليل، لا يعاين ما يحتطبه، لشدة العتمة، وضعف الرؤية، فتجد حطبه يضم الجيد والرديء من الحطب! فحزمة الأسئلة تضاهي حزمة حطب حاطب الليل كما التوائم!

Ad

* أحسب أن الأسئلة النيابية بشأن مرض إنفلونزا الخنازير، أفضت بوزارة الصحة العامة إلى الحيرة تجاه الإعلان عن عدد المصابين يوميا، أو الكف عن ممارسة الشفافية المرعبة المروعة للسكان كافة، وقد حسمت الوزارة حيرتها بالإعلان عن عدد المصابين أسبوعيا، وفق التقليد المعمول به في جل بلاد العالم، ولن تعدم الوزارة نائبا هماما يتهمها بعدم الشفافية، من جراء عدم إعلانها عدد المصابين يوميا! وكأن هذه الفصيلة من النواب تروم المراوحة في حالة التذبذب بين فتح الشباك أو إغلاقه! لذا فإن الوزارة فعلت خيرا، حين حسمت هذه المسألة لمصلحة الإعلان أسبوعيا عن عدد المصابين الذين شفوا منه.

ولا بأس على السيد الوزير والوزارة من الأسئلة الجاهزة المنهارة عليه وعليها يوميا، مادام هؤلاء النواب يمارسون التساؤل بروح متسابقي ماراثون الأسئلة الذي يفوز به النائب الذي يطرح أرقاما فلكية من الأسئلة!

والحق أن الكثير من الأسئلة المتسرعة التي يمطرها بعض النواب على هامة الوزراء، تبدو لي كفعل حاطب ليل، لا يعاين ما يحتطبه، لشدة العتمة، وضعف الرؤية، فتجد حطبه يضم الجيد والرديء من الحطب! فحزمة الأسئلة تضاهي حزمة حطب حاطب الليل كما التوائم! وإذا كان حاطب الليل مضطرا إلى فعله، فإن البرلماني في مقدوره، ومن حقه وواجبه، التأني بطرح خيشة أسئلته إلى حين اتضاح الرؤية ومعرفته بتفاصيل السؤال المراد إطلاقه.

وهذه المسلمة البدهية التي يخبرها كل إنسان سوي، تنفي الرغبة في تسجيل موقف برلماني يدغدغ مشاعر الناخبين، ويوثق في أرشيف إنجازات النائب في ماراثون الأسئلة النيابية إياها!

إن أي واقعة تحدث في البلاد، ولو كانت عادية تقع يوميا في العالم كله، كما هو الأمر في تنامي عدد المصابين بمرض إنفلونزا الخنازير، تتحول في بلادنا إلى مشروع مساءلة واستجواب الوزير المختص، ولو كان الأخير قد حلف اليمين الدستورية لتوه، ولم يتربع بعد على كرسي الوزارة! وفي هذا السياق انهالت على السيد وزير الصحة العامة أسئلة حطاب الليل المتعجلة، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، سوى سلطان الماراثون الذي يتبارى فيه النواب لتسجيل أكثر عدد ممكن من الأسئلة، ولو كانت مجانية وجاهزة وجاهلة مثل ذاك التصريح الهمام المطالب باستيراد الدواء المضاد للمرض، مع أن العامة والخاصة يعرفون أنه غير متوافر حاليا.

وذلك التهديد الذي لوح به البعض لوزير الصحة، في حالة وفاة مواطن أصيب بالمرض! على الرغم من أن وفيات هذا المرض تحدث يوميا في جل بلاد العالم دون أن تفضي هذه الوفيات إلى التلويح بمساءلة الوزير واستجوابه، وكأن هذه الفصيلة من نواب الأسئلة الفجة الجاهزة يحسبون أن الدكتور هلال الساير بحوزته مصباح علاء الدين السحري، ما عليه سوى أن يدعكه أو يغزه بمشرط الجراحة ليفز شمهورش خارجا من القمقم هاتفا: شبيك لبيك عبدك بين يديك! فيبادر الوزير بإحضار الدواء الناجع، قبل أن يرتد إليه طرفه! ولا يظن ظان بأني بصدد الدفاع عن السيد الوزير لعدم حاجته إليها ولا غيرها، لكون فعله يغنيه عنها، ولكن الذي يستأهل الدفاع هو: السؤال البرلماني ذاته، ذلك أنه أصبح أخيرا كما الإسهال والعياذ بالله، وهو الحري بإيجاد دواء لعلاجه، وهو- أي العلاج- لدى حكماء مجلس الأمة لا أطباء وزارة الصحة! وإسهال الأسئلة إياها لا يقل خطورة عن المرض العضال!