ربما فاجأ الإيرانيون أنفسهم كما فاجؤوا العالم بحراكهم الذي لحق الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية، احتجاجا على ما اعتبروه تزويرا أدى إلى إعلان الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، رئيسا لإيران لولاية ثانية.
لكن حجم «الصدمة» من تحركات الشارع الإيراني المفاجئة ولعدة أيام متتالية، لا يبرر ما جاء على لسان بعض المحللين العرب في عدد من الفضائيات، من أن المحتجين إنما يتم تحريكهم من «الخارج» لغايات في نفسه، أي هذا «الخارج»، وهو الرأي الذي رفض تبنيه حتى الرئيس نجاد في خطاب انتصاره. ولو صدق الأمر نظريا على بضع عشرات أو مئات من الأفراد، فماذا يمكن أن يقال عن مئات الآلاف منهم؟!ولو دقق أولئك ممن أدهشهم المشهد حتى اتهموا شريحة عريضة من الشعب الإيراني بالتحرك عبر الريموت كونترول، لوجدوا أن «الخارج» بقي لوهلة مثلهم مذهولا ويتعامل بحذر شديد مع ما يحصل حتى على صعيد التغطية الإعلامية، لو لم يجبره «الداخل» على الالتفات بشكل جدي لما يجري على الأرض. فبعد التضييق على وسائل الإعلام المحلية والدولية لمنعها من نقل ما يحصل في الشارع الإيراني، تحمل الشارع نفسه عبء هذه المهمة لإيصال رسالته بالصوت والصورة. الأخبار والصور ومقاطع الفيديو أخذت تدور حول العالم لتزود جميع وكالات الأنباء بآخر المستجدات منذ إعلان فوز نجاد بولاية رئاسية ثانية. ماكينة إخبارية لا تهدأ، تنشط عبر المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر، التي تتيح مشاركة تلك الأخبار من أقصى الأرض إلى أقصاها خلال دقائق قليلة. إلى حد كبير لم تستطع وكالات الأنباء أن تحظى بأخبار خاصة بها عبر مراسليها، بل كان ما يسمى المواطن-الصحافي هو الذي يصنع الحدث ثم ينقله موثقا بالصوت والصورة، هذا على الرغم من الأعطال التي طالت شبكة الإنترنت في إيران وحجب العديد من المواقع بعيد بدء الأزمة، وهو ما جرى الرد عليه بتعطيل بعض المواقع الإعلامية الرسمية لساعات عدة من قبل الهاكرز الإيراني. هذا النشاط المكثف عبر الإنترنت استطاع لفت أنظار العالم إلى ما يجري ولكن أيضا، طبعه بطابعه الخاص حتى كادت جميع الأخبار ذات الصلة التي تذاع عبر وسائل الإعلام العالمية، أن تكون موشحة بالأخضر!كما أنه بالتأكيد لعب دورا في التواصل ما بين الإيرانيين خاصة في ظل انقطاع خدمات الهاتف المحمول. فعبر الإنترنت جرت الدعوة إلى المظاهرات وتحديد مواقعها وتوقيتها، وكذلك التصدي للشائعات التي تهدف إلى عرقلة تلك التحركات الشعبية، أو تلك التي تنشر أخبارا مبالغا فيها أو تفتقر للدقة. كما أتاح ذلك النشاط الإلكتروني، ملاحظة التنوع في أوساط المطالبين بإعادة فرز الأصوات أو إجراء انتخابات جديدة وانتمائهم لخلفيات فكرية مختلفة عبر عنها ما طرحوا من شعارات ومطالب عبر المدونات والتعليقات المتدفقة. يشكر أحد المدونين «الشعب الأميركي على مساندته لمطلب الحرية والديمقراطية للشعب الإيراني»، فيرد آخر، «هراء، نحن لسنا بحاجة إلى أي شكل من أشكال الدعم الأميركي». أيضا كانت تلك التغطية الإخبارية المتواصلة عبر الإنترنت عاملا مهما في تحريك الجاليات الإيرانية عبر العالم للقيام باعتصامات وتظاهرات في بلدان إقامتها دعما لمواطنيها. كما يمكن ملاحظة رسائل التعاطف والدعم المعنوي للمتظاهرين تتدفق من مختلف أنحاء العالم وتطالب بالمزيد من التفاصيل عما يجري. هذا النشاط الإلكتروني ليس جديدا على إيران، فاللغة الفارسية مصنفة على أنها رابع لغة تدوين في العالم، ويوجد في إيران أكثر من مئة ألف مدونة استحقت الكثير من الدراسات باعتبارها تعكس الوجه غير المعلن عنه للمجتمع الإيراني خصوصا لشريحة الشباب منه. والواقع أن الانترنت كان جزءا مهما من حملة المناصرة لكل من موسوي ونجاد أثناء الحملات الانتخابية، وصفحات الرؤساء المتنافسين على الفيس بوك، كانت نفسها التي بدأت شرارة الاحتجاج بعيد إعلان النتائج. الإنترنت غيّر وجه الإعلام، لكنه أيضا غيّر وجه الثورات، بل خلق أنواعا جديدة منها! ربما هذا ما دفع بعض وسائل الإعلام إلى وصف ما يحدث في الشارع الإيراني على أنه احتجاجات، مظاهرات، أحداث عنف وصدامات، فيما وصفت تغطية ذلك كله عبر الإنترنت على أنه ثورة عبر العالم الافتراضي في إيران.* كاتبة سورية كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
ثورة عبر الإنترنت في إيران!
19-06-2009