النائب محمد هايف المطيري، نائب سلفي حتى نخاع النخاع، يؤمن بالفكرة الدينية، وينطلق منها ويعود إليها، انتخبه الناخبون وهو كذلك، واستمر على ذلك حتى الساعة، كقطار يسير على سكته لا يحيد عنها. رجل منسجم مع نفسه وقناعاته دائما، ولذلك، وبالرغم من اختلافي المعلن مع طريقته في العمل وترتيبه لأولوياته، فإني لم أكن يوما مستغربا انشغاله بمسألة الظواهر السلبية أو بموضوع الضوابط الشرعية لممارسة المرأة حقوقها السياسية؟ ولا أدري كيف غاب عن أذهان من يخاصمون محمد هايف، أنه وبحكم موقعه كنائب كان حتما سيمارس كل الأدوات الدستورية والقانونية والإعلامية المتاحة له لتطبيق ما يراه لازماً مهما كان الأمر لا يعجبهم ولا يستهويهم!

Ad

الضجة التي ثارت أخيرا حول فتوى إدارة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف، والتي جاءت كإجابة لسؤال من النائب محمد هايف حول ما إذا كان لزاما على المرأة الالتزام بالحجاب الشرعي عند ممارستها لحقها السياسي، هي مع كامل الاحترام للجميع، ضجة ليست في محلها!

ولابد من الإشارة إلى أني لا أكتب اليوم لأتخذ موقفا سياسيا- وإن كنت بالطبع لن أجامل أحداً بإيماني المطلق بشرعية الحجاب على المرأة المسلمة- بقدر ما أني أكتب في محاولة لتقصي المنطلقات الموضوعية لهذه الضجة.

هل الضجة لأن النائب، وانطلاقا من ممارسته لحقه الدستوري كمواطن أولا وكنائب ثانيا، واستنادا إلى منظومته الفكرية المكشوفة للجميع، قام بتوجيه سؤال لإدارة الإفتاء؟ ألم نكن نسمع دوما الاعتراض على الفتاوى المستوردة وبوجوب أن تكون فتاوانا محلية، بل من الجهة الرسمية المخولة بذلك؟ فلماذا الضجة اليوم ومحمد هايف قد جاء بها من وزارة الأوقاف؟ أم أنها يا ترى لأن إدارة الإفتاء قد استجابت بالفعل للسؤال فأجابت؟ أليس هذا هو دورها وصميم عملها تجاهه وتجاه غيره؟ أم أنهم كانوا يتوقعون أن تلتزم الصمت في هذا الموضوع لأن له نتوءا سياسيا، قاصرة عملها على فتاوى الطهارة وما شابه كبعض إدارات الإفتاء في العالم العربي؟ أم هل الضجة يا ترى لأن الفتوى أقرت بأن الحجاب الشرعي واجب على المرأة المسلمة؟ أليس هذا ما جاء به الإسلام، دين الدولة وفقا للدستور؟ أم أنهم كانوا يتوقعون أنها ستقول إن الحجاب ليس بواجب ولا فرض إكراما لعيون الواقع السياسي ومجاملة للقانون «العائم»؟

أم أن الضجة انطلقت من الأساس رفضا لفكرة أن تعرض مسألة الحقوق السياسية للمرأة على إدارة الفتوى؟ فإن كان هذا هو السبب، فالسؤال هنا: أما لاحظ الرافضون أن قانون الحقوق السياسية للمرأة قد اشترط منذ صدوره في العام 2005 على المرأة الالتزام بما أسماه «القواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية»، وأنه كان سيظهر حتما عاجلا أم آجلا، شخص ما، ليطالب بتعريف وتحديد هذه القواعد والأحكام، من خلال الجهة الرسمية المتخصصة؟!

النائب محمد هايف، وكما نقولها بالعامية «لعبها صح»، واتخذ مسارا قانونيا صحيحا مئة في المئة فطرق باب الجهة الرسمية وتلقى الجواب المتوقع الذي لم يكن منه مناص، وليس في الأمر هذه المرة، كما يحاول أن يصور البعض، أي تحالف ما بين السلطة والإسلام السياسي، وكان حريا بمن لم يعجبهم ما آلت إليه الأمور، أن يدركوا أن هذه المواجهة كانت قادمة لا محالة، وأن يكونوا مستعدين لها لا أن يتركوا الأمور تمضي في أعنتها، على أمل غفلة التيار الديني.

الآن ليس أمام الرافضين لهذه الفتوى، خصوصا أنهم يشيعون بأننا نتجه نحو دولة «طالبان»، إلا المواجهة عبر القنوات الدستورية والقانونية، لا الضجيج والزعيق، ولا داعي لخلط الأوراق أو التردد خوفا من مغبة إبداء الموقف الحقيقي، فالكويت دولة دستورية تقوم على مواد محددة وواضحة.

ليتحركوا مثلا لإلغاء المادة الثانية من الدستور التي نصت على أن دين الدولة الإسلام، وألزمت المشرع بالأخذ من الشريعة ما وسعه ذلك وفقا للمذكرة التفسيرية، ولتصبح دولتنا دولة لا علاقة للشريعة بدستورها وقوانينها، أو ليتحركوا لإلغاء إدارة الإفتاء في وزارة الأوقاف، أو ربما الوزارة بأسرها، أو على أقل القليل، حتى لا يقال بأني فتحت الأمر على واسع، وإن لم أكن كذلك في الحقيقة، ليتحركوا على تغيير القانون الذي اشترط التزام المرأة بالقواعد والأحكام الشرعية عند ممارسة حقوقها السياسية. أما أن يبقى القانون على ما هو عليه، ويرفضوا في نفس الوقت أن يسعى أحد لتفسير معناه، فحينها يكونون قد وقعوا في تناقض صارخ مع المبادئ الديمقراطية الداعية إلى التمسك بالدستور وتطبيق القانون، حتى لو لم يوافق هوى هذا الطرف أو ذاك، وأما السير في غير هذه المسارات فعبث لا يليق.

كلمة أخيرة لازمة، وهي ضرورة أن ننتبه إلى أن هذا الخلاف الجديد جار اختطافه، فهناك من يحاول أن يظهره خلافا بين أهل التقدم والمستقبل وأهل التأخر والماضي، وهناك في المقابل من يحاول أن يظهره خلافا بين الدين وأعدائه، في حين أنه يجب أن يبقى خلافا ديمقراطيا في إطار الدستور والقانون.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء