أتابع كمواطن يقلقه مستقبل بلاده تقارير الشال الأسبوعية، ودخل دائرة متابعتي في الفترة الأخيرة تقرير رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير المتعلق بمستقبل الكويت.

Ad

في الجزء الثالث من تقرير بلير الذي نشرته جريدة «القبس» بداية الأسبوع، يحذر صاحب التقرير من «حدوث فوضى سياسية وفتنة أهلية متى ما كان هناك عجز في الميزانية، وهو ما سيضطر الحكومة للتضحية بمستقبل الأمة لإدامة واقع مصطنع والحفاظ على الشعب في سلام، وأن أي تغيرات ستجرى في مرحلة متأخرة لمكافحة العجز المتنامي في الميزانية ستغدو أكثر صعوبة لجهة تفسيره لشعب غير مستعد لتغيير أساليبه»، كما سيدفع ذلك «الحكومة إلى بلوغ وضع تحفظ فيه السلام من خلال سياسات ضبط الأضرار التي ستفضي في نهاية المطاف إلى إفلاس الدولة على المدى البعيد».

ويعرض بلير في تقريره سيناريو متشائماً جداً، سيتحقق عام 2030، حين يصل عدد الكويتيين 2.2 مليون، ومقدماته تتمثل في «مواصلة زيادة إنفاق الحكومة، واستقرار معدل إنتاج النفط عند 2.6 مليون برميل يومياً، وتراجع متوسط سعر النفط الكويتي إلى 30 دولارا، وهو ما سيؤدي إلى تحقيق عجز بالميزانية قدره 166 مليار دولار».

ويزيد بأن استمرار الحكومة باستيعاب 80 في المئة من العمالة الوطنية وتقديمها رواتب سخية ومزايا اجتماعية للمواطنين، سيسرِّع من عجز الموازنة ليبدأ بعد خمس سنوات من الآن، وتحديداً بين عامي 2014 و2017، إلا أن أقصى معدلاته ستتحقق عام 2030.

إن الفرضيات التي وضعها بلير في تقريره يجب أن تعمم على جميع القيادات في الدولة، وإن كنت أشك في أن أحداً من النواب أو الوزراء قرأ ما جاء في التقرير قبل دخوله إلى جلسة أمس أو اجتماع اللجنة المالية المخصص لمناقشة تقرير مقترح إسقاط القروض أو شراء المديونيات أو إعادة جدولتها أو أيا كان اسمه.

أرقام تقرير رئيس الحكومة البريطانية السابق مرعبة، ومنها تشكيل النفط نصف الناتج المحلي الإجمالي للكويت، وأن 94% من صادرات البلاد قبل عامين منتجات نفطية، وأن الشك يلف دوام الاحتياطيات النفطية 70 عاماً، والأخطر إشارته إلى أن «التحديات التي تواجهها الكويت تعلمها قيادة البلاد، إلا أن من المؤسف أن الأداء لم يكن كافياً في المجالات كافة، كما أعاق الشلل السياسي التقدم على مدى سنوات عديدة»، لاحظوا أنها جميعا كلمات رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

منبع الرعب يأتي كون الكويت تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل، في وقت يحد العالم من زيادة اعتماده على النفط كمصدر للطاقة، واتجاهه ناحية بدائل أخرى للطاقة لتفادي تداعيات الاحتباس الحراري والتغير المناخي، كالمفاعلات النووية، والكهرباء في تسيير وسائل النقل، والشمس مع الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية والتدفئة، فإن هذا السيناريو رغم تشاؤميته، هو الأقرب إلى الحدوث، خصوصاً وسط وجود تجاذبات سياسية وتراخٍ حكومي لتوسيع عمليات مؤسسة البترول الوطنية.

تقرير رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أسود، وزادني قناعة بأن بقاء الكويت مرهون بالوقت، توقعه في 2030، لاحظ أنها بعد عشرين عاماً فقط، ستمضي كلمح البصر، لكن ما حيلة العاجز أمام النهب الممنهج الذي يقوده نواب لمقدرات البلد، والتخاذل الحكومي حيال مواجهة زحف البرلمان، من خلال مقترحات توزيع التركة قبل الوفاة. لكن مع ذلك، يحدوني الأمل في أن يقترح أحد نوابنا الأفاضل، ممن يمتازون بالنظر حد أنوفهم، توزيع الأنصبة ليأخذ كل منا نصيبه «كاش» ويسيح في بقاع الأرض، لنتندر بعدها، كل من مكانه، على الجهد الذي بذله بلير على تقرير لبلد لم يقرأ أيٌ من قيادييه حرفاً منه، وحكومة يرأسها من يُتهم بتقديم الهبات للنواب «كاش» من حر ماله.