خارطة الاوهام ولهب الاشارات
1-
لأنكِ، في هذهِ اللحظة، أجملُ امرأةٍ ميتّة، فأنكِ لَنْ تلوّحي لي بغصنٍولا بمنديل، أنا في ضفّةٍ وأنتِ في ضفّةٍ أخرى، على حافة الينبوع.الممشى المسكونُ بخيبة العالم والسريرُ الذي أضاءَ الغرفةَ والنافذة.ثم تلكَ القفزاتُ العالية في الهواءِ الطلق بين الأشجار هي أكثرُ مِنْذكرى حياةٍ تتدحرجُ على السَلالم. إنني أوشكُ أنْ أبصرَ ماضيكِ فيصرختي الأولى، وأجرّبَ أيضاً حرارةَ الليلِ في جسدٍ ميّت.ولئِلا أتعب سأضعُ يدَكِ المرميّة، في يدي، لتكونا معاً ما يشبه كنوزَأمكنةٍ ومسراتْ. هكذا، على الأقل، لَنْ أضيّعَ صورتَكِ مهما ابتعدتِكثيراً عن المرآة.هكذا أيضاً يُمكنني أن أستقبلَ صوتَكِ القادمَ من آبارٍ ضائعةٍ بزهرةٍأو مَطْلعِ أغنيةٍ قديمة. عتمةٌ خفيفةٌ تغطّي فراغاً ضئيلاً مِنْ وجهكِأهذا ما نسميّه حزناً؟أم ينبغي أن نقول وليمة لهذا الجمالِ الراقدِ فوق السرير. بعينٍجسورةٍ أتخيّلُكِ أيقونةً من الرغبات مِنْ أشرعةٍ تَدفعُها الريحُإلى أيامِنا الآتية.لذلك لن أبكي عليكِ هذا المساء. سأنتظرُ أمَلاً حتى لو كانَ عشبةًعالقةً في مرساةِ قاربٍ أخير. ثم ليس كلّ دمعةٍ تُشير بالضرورةإلى قبر وتابوتْ ولا كل خطوةٍ، إلى ما يُظنُّ أنه وداعٌ مؤلمٌ فيالطريق. استيقظي أيتها النائمة، الأفقُ أيضاً حياةٌ ثانية. وخلف الستارةِ تَلمعُ النجومُ في السماءِ كنقودٍ فضيّةٍ في ساحةِالأعياد. انني أحبّكِ بقوّةِ الموهبة. بثقل الصدْفةِ الواثقةِ من نفسِها.اذا رغبتِ في فاكهةٍ يكفي أن تحرّكي إصبعاً واحداً لتحضرَ الشجرةُإلى هنا. وانْ رغبتِ أيضاً سأحملُكِ طافيةً إلى أرضِ المغارة فلربماكان الموتُ خارطةً سرّيةً للأوهام أو محضَ فراغٍ خادعٍ في جوفِ الجبل.2-الصحراء! لن يحدث أبداً إلا هناك، هذا ما قلتهُ. لن يحدثإلا تحت شجرةٍ عالية ووحيدة، يظهرُ وجهُها مضيئاً كهالةالقديس. صورةٌ كأنما من مرآةٍ لا تُرى وحدها تتكلم، باللوعةذاتها كأنما بيننا بحرٌ من الحنين. كلامها يزحف إلى أطرافالعالم على إيقاع نسيمٍ سحريّ كأحلام منتصف الليل. تتحدثُعن أزهار الشرفي براري الخيال. عن الألم الذي يترك أثراًعلى النوافذ والأبواب، عن ومضة السرّ في وجه ملاكٍ ضائععن سلالمَ محاطة بالنيران. نائمةً أو مغمضة العينين- لستُ أدري - تسترسلُ في الكلام بإشارات الأرض كلهاكأنما تبحث عن بريق الذهب في قاع منجم. كلُ إيماءةٍ منرأسها تتويجٌ لخسارةٍ مبكرةٍ وأكيدة. تدعوني إلى صحرائها،جنة أسلافها المحاطة بأنوار الخليقة فلا أستطيع.الصحراء والمرأة وحدها تحت الشجرة وأحلامي محاصرةبلهب الإشارات.