خارطة الاوهام ولهب الاشارات

نشر في 14-07-2010
آخر تحديث 14-07-2010 | 00:01
 زاهر الغافري 1-

لأنكِ، في هذهِ اللحظة، أجملُ امرأةٍ ميتّة، فأنكِ لَنْ تلوّحي لي بغصنٍ

ولا بمنديل، أنا في ضفّةٍ وأنتِ في ضفّةٍ أخرى، على حافة الينبوع.

الممشى المسكونُ بخيبة العالم والسريرُ الذي أضاءَ الغرفةَ والنافذة.

ثم تلكَ القفزاتُ العالية في الهواءِ الطلق بين الأشجار هي أكثرُ مِنْ

ذكرى حياةٍ تتدحرجُ على السَلالم. إنني أوشكُ أنْ أبصرَ ماضيكِ في

صرختي الأولى، وأجرّبَ أيضاً حرارةَ الليلِ في جسدٍ ميّت.

ولئِلا أتعب سأضعُ يدَكِ المرميّة، في يدي، لتكونا معاً ما يشبه كنوزَ

أمكنةٍ ومسراتْ. هكذا، على الأقل، لَنْ أضيّعَ صورتَكِ مهما ابتعدتِ

كثيراً عن المرآة.

هكذا أيضاً يُمكنني أن أستقبلَ صوتَكِ القادمَ من آبارٍ ضائعةٍ بزهرةٍ

أو مَطْلعِ أغنيةٍ قديمة. عتمةٌ خفيفةٌ تغطّي فراغاً ضئيلاً مِنْ وجهكِ

أهذا ما نسميّه حزناً؟

أم ينبغي أن نقول وليمة لهذا الجمالِ الراقدِ فوق السرير. بعينٍ

جسورةٍ أتخيّلُكِ أيقونةً من الرغبات مِنْ أشرعةٍ تَدفعُها الريحُ

إلى أيامِنا الآتية.

لذلك لن أبكي عليكِ هذا المساء. سأنتظرُ أمَلاً حتى لو كانَ عشبةً

عالقةً في مرساةِ قاربٍ أخير. ثم ليس كلّ دمعةٍ تُشير بالضرورة

إلى قبر وتابوتْ ولا كل خطوةٍ، إلى ما يُظنُّ أنه وداعٌ مؤلمٌ في

الطريق. استيقظي أيتها النائمة، الأفقُ أيضاً حياةٌ ثانية.

وخلف الستارةِ تَلمعُ النجومُ في السماءِ كنقودٍ فضيّةٍ في ساحةِ

الأعياد. انني أحبّكِ بقوّةِ الموهبة. بثقل الصدْفةِ الواثقةِ من نفسِها.

اذا رغبتِ في فاكهةٍ يكفي أن تحرّكي إصبعاً واحداً لتحضرَ الشجرةُ

إلى هنا. وانْ رغبتِ أيضاً سأحملُكِ طافيةً إلى أرضِ المغارة فلربما

كان الموتُ خارطةً سرّيةً للأوهام أو محضَ فراغٍ خادعٍ في جوفِ الجبل.

2-

الصحراء! لن يحدث أبداً إلا هناك، هذا ما قلتهُ. لن يحدث

إلا تحت شجرةٍ عالية ووحيدة، يظهرُ وجهُها مضيئاً كهالة

القديس. صورةٌ كأنما من مرآةٍ لا تُرى وحدها تتكلم، باللوعة

ذاتها كأنما بيننا بحرٌ من الحنين. كلامها يزحف إلى أطراف

العالم على إيقاع نسيمٍ سحريّ كأحلام منتصف الليل. تتحدثُ

عن أزهار الشرفي براري الخيال. عن الألم الذي يترك أثراً

على النوافذ والأبواب، عن ومضة السرّ في وجه ملاكٍ ضائع

عن سلالمَ محاطة بالنيران. نائمةً أو مغمضة العينين

- لستُ أدري - تسترسلُ في الكلام بإشارات الأرض كلها

كأنما تبحث عن بريق الذهب في قاع منجم. كلُ إيماءةٍ من

رأسها تتويجٌ لخسارةٍ مبكرةٍ وأكيدة. تدعوني إلى صحرائها،

جنة أسلافها المحاطة بأنوار الخليقة فلا أستطيع.

الصحراء والمرأة وحدها تحت الشجرة وأحلامي محاصرة

بلهب الإشارات.

back to top