سمو الرئيس... 
أرجوك ترجل!

نشر في 22-11-2009
آخر تحديث 22-11-2009 | 00:01
 د. ساجد العبدلي كنت ومازلت أؤمن بأن تولي الشيخ ناصر المحمد لرئاسة مجلس الوزراء، مثّل فرصة ذهبية لانطلاق الكويت نحو آفاق أرحب من الحريات، وأن حقبة هذا الرجل كان يمكن أن تكون البوابة الحقيقية نحو نظام ديمقراطي أكثر اتساعاً. كتبت عن هذا أكثر من مرة، وتحدثت به في أكثر من ندوة عامة وخاصة دون تردد.

ولم أكن وحدي مَن نظر بإيجابية لعهد الشيخ ناصر، ومن ينسى كيف كانت الكتل السياسية والنواب أجمع منذ فترة ليست بالطويلة، بما فيها التكتل الشعبي وعلى رأسهم الفاضل أحمد السعدون بالذات، إلى عهد قريب، و»حدس» وجميع النواب الذين يخاصمون الشيخ ناصر المحمد أشد الخصومة اليوم، يحرصون على تسميته بالرئيس الإصلاحي، لأنهم لمسوا منه دوماً الإيجابية الدائمة والاستعداد للإنصات للجميع بلا تفرقة أو محاباة ومده ليد التعاون دون تردد.

لكنني كنت أدرك دوماً بأن هذا الأمر سيبقى مرتهنا بالظروف المحيطة، وبإحساننا نحن- وأعني بكلمة نحن هذه النواب والمشتغلين بالسياسة والإعلاميين وعموم الناس- في استغلال هذه الفرصة التي رأيتها تاريخية، وهذا ما لم يدركه القوم فلم يتحقق وللأسف.

الشيخ ناصر المحمد ليس رجلاً خارقاً أو «سوبرمان»، بل رجلاً عادياً حباه الله بالتواضع ودماثة الأخلاق والبساطة وإحسان الظن بالآخرين على طول الخط وأياديه المعطاءة البيضاء، بالإضافة إلى عدم قدرته على المراوغة والمناورة وإدارة الألاعيب، وهي صفات وإن كانت جيدة طيبة في مطلقها، إلا أنها كما يبدو لم تكن الصفات الصالحة للتعامل مع هذه المرحلة بظروفها وملابساتها وشخوصها، وهو الأمر الأهم، فكانت هي بعينها الصفات التي أوقفت عربته وشلت مسيرته!

كل شيء سار عكس اتجاه الشيخ ناصر، فقد جاء الرجل أصلاً في فترة سياسية صعبة من تاريخ الكويت، إن لم تكن الأصعب، بتحدياتها سياسياً واقتصادياً وتنموياً على كل الصعد وفي كل ميدان، وكذلك بتحدياتها المجتمعية بتعقيداتها المتشابكة التي كانت ساكنة فتم تثويرها، غالباً عن عمد، وأضيف إلى هذا الخليط الثقيل في مواجهته، أن ظهر الشيخ ناصر كان مكشوفا بشكل كبير من داخل أسرته، أسرة الحكم، فكان هناك من أبناء عمومته من عمل ضده وسعى لإفشال مساعيه من اليوم الأول.

واليوم لا أملك إلا أن أتوجه بلسان المحب المشفق إلى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد أن يترجل عن ظهر جواده، فقد آن له ذلك.

سمو الرئيس لقد حاولت مراراً ولم تفلح، لا لعيب فاحش فيك أو فرق كبير عمن سبقوك، وإنما لأن كل شيء صار ضدك أنت بالذات، فتطاولت قائمة خصومك، وصار أغلب من كانوا حلفاء وأصدقاء لك بالأمس، أعداءك الظاهرين اليوم، وتكاثر اللئام وماسحو الجوخ على مائدتك، بعدما هرب أغلب المؤمنين بك من حولك، خوفاً من أن تحرقهم «آلة إعلامية» فجرت في الخصومة، ولم تتورع عن التشهير بكل من يقترب منك أو يحاول أن ينصفك.

أرجوك أن تترجل، فلا أظن أحداً قد نال في التاريخ السياسي الكويتي هذا الكم المهول من النقد الخالي من اللياقة والتجريح والتطاول كما نالك أنت، ولا أظن أحداً في المقابل تلقى كل هذا الانحدار فقابله بالحلم والأناة وسعة الصدر كما فعلت أنت، وأنت في نهاية المطاف بشر.

أرجوك أن تترجل، أقولها ومخيلتي متشائمة إلى الحد الذي صارت معه لا تود حتى أن تتصور شكل المستقبل، فحال الأسرة لا يسر، والصراع الداخلي فيها على أشده، والنزاعون الطامحون إلى الكرسي ما عادوا يتورعون عن الضرب تحت الحزام، بل على الملأ!

أرجوك أن تترجل، والقلق يأكلني بأن من سيخلفك لن يحمل ذات روحك المؤمنة بالديمقراطية واختياراتها ونتائجها على طول الخط، وأننا نحن الشعب الكويتي، من سيعض أصابع الندم حينها، وسينطبق علينا من بعدك قول شاعر قريش يوم قال: أضاعوني وأي فتى أضاعوا.

back to top