طائرة إيرانية حربية تحوم فوق حاملة طائرات أميركية في المياه الخليجية الدافئة وتقوم بتصوير أجزائها المتعددة، ودوريات بحرية إيرانية حربية استطلاعية متقدمة تفتش سفنا تجارية مشكوكاً في أمرها تنوي دخول مضيق هرمز، والحرب لم تبدأ بعد، فكيف إذا بدأت؟!

Ad

كل ذلك في إطار مناورات بحرية واسعة النطاق هي الثانية للقوات المسلحة الإيرانية خلال أقل من عشرة أيام، الأولى أجراها الحرس الثوري الإيراني، والثانية الجيش الإيراني، من أجل إثبات جهوزية الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الردع كما على الدفاع عند الضرورة.

إنها الحرب المؤجلة إذن إلى حين، والتي لا يعرف أحد متى، وكيف، وأين ستندلع شرارتها، والتي هي ربما قاب قوسين أو أدنى من الوقوع كما يردد الكثيرون؟ ومع ذلك كله مازلت أعتقد أن الحرب ليست واقعة، وأنه لا الأميركيون ولا الإسرائيليون من باب أولى بقادرين على إشعالها في المدى المنظور على الأقل.

صحيح أن المنطقة باتت مدججة بكل أنواع الأساطيل الأجنبية المعادية، الثابتة منها والمتحركة، ومنظومات الصواريخ الهجومية والرادعة، وأنه لا يمر يوم إلا ويتم تهديد إيران من قبل محور الحرب الأميركي الإسرائيلي، لكن الصحيح أيضا أن طهران تبدو في أكثر أيامها زهواً واقتداراً وثقة بالنفس بأن كل ما يجري من حولها ليس سوى محاولات يائسة لثنيها عن المضي في الدفاع عن استقلال قرارها، وجزء من حرب نفسية «كونية» نعم كونية في محاولة للضغط عليها عبر وسائل التهويل والتهديد والوعيد من أجل انتزاع تنازلات منها تتعلق بشكل رئيس بالقضية الأساس ألا وهي القضية الفلسطينية.

ولكن ثمة من قد يسأل: أين موقع الملف النووي إذن من كل ما يحصل من استقطابات؟!

مرة أخرى، وربما للمرة العشرين، وأنا أكثر من متأكد بل أجزم بأن ما هو متوافر ومتاح لدى العارفين بخفايا الأمور، بأن معركة النووي ليست هي القضية أبدا... لقد كانوا ولايزالون يلحون على طهران باتخاذ موقف واضح وشفاف ونهائي بخصوص ما يسمونه بالتسوية الشرق أوسطية، أي الموقف من الجهود الأميركية الضامنة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، والهيمنة الأميركية–الصهيونية على القرار العربي والإسلامي.

وفي هذا السياق لا تنفك الرسل والوفود والوسطاء المباشرون وغير المباشرين من الحوم حول طهران لإقناعها بإخراج فلسطين من عقيدتها الدفاعية، وليس ربط المسألة النووية الإيرانية من الجانب الأميركي والإسرائيلي بقضية الصراع العربي الإسرائيلي إلا حيلة صهيونية للتشويش على الرؤية العربية من جهة، ولحرف الأنظار عن الهدف الحقيقي من محاصرة إيران والتضييق عليها.

صحيح أن المسألة النووية الإيرانية مهمة لواشنطن كما لتل أبيب، ولكن ليس من هذا الحديث الآنف الذكر، بل من زاوية صراع الكبار حول مصادر الطاقة وطرق توزيعها والموقع الجيو سياسي والجيو استراتيجي الذي تمتلكه إيران في هذا النزاع الدولي.

ولما كانت إيران قد ظهرت ومنذ عام 1979 كقوة مستقلة تغرد خارج سرب المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ومعادلتهم في الهيمنة على الموارد، فإنها تشكل بحد ذاتها خطرا على خارطة الهيمنة على الموارد، فكيف بها إذا ما تمكنت من ناصية المعارف التكنولوجية، وبالأخص التكنولوجيا النووية، وما يعنيه ذلك من اختلال فاضح في خارطة توزيع موارد القوة والنمو، وميل الميزان بالتالي لمصلحة كفة قوى إذا ما تحالفت بالفعل قد تطيح بالإمبراطورية الأميركية بشكل نهائي، وهي الصين وإيران وروسيا والهند والباكستان؟!

فبكين لا يمكن لها أن تفرط بإيران ليس حبا بالنظام الحاكم فيها، بقدر حاجتها الماسة للموقع كما للدور الإيراني في معركة السيطرة على منابع الموارد المستقلة، وروسيا هي الأخرى ليست مستعدة ولن تسمح بسهولة لواشنطن بالإطاحة بالنظام الإيراني ليس حبا بالنظام الإيراني أيضا، إنما باعتباره الخاصرة الجنوبية التي لا فكاك منها للدفاع عن أمن الحلم الإمبراطوري منذ أيام القياصرة.

وهذا الأمر يعرفه الإيرانيون جيدا وبدقة متناهية، لكنهم يعرفون أيضا أهمية القرار المستقل، لاسيما في ظروف انتقالية شديدة الحرج يعيشها العالم الإمبريالي عموما وإدارة واشنطن بشكل خاص، وإدارة أوباما المربكة والمتخبطة بشكل أخص. لكن ما يهم طهران أكثر، وهو مربط الفرس بالنسبة لواشنطن وحليفاتها الغربيات، هو أن تبقى فلسطين جزءا لا يتجزأ من العقيدة الدفاعية الإيرانية في السياسة كما في الأمن القومي الإيراني، والأهم من ذلك كله في العقيدة الدينية التي على أساسها قامت الثورة وأنجزت مهمة استقلال القرار.

هم يزعمون ويحاولون الترويج عالميا بأنهم يريدون إنجاز تسوية سلمية لما يسمونه بالصراع العربي الإسرائيلي، وأن إيران وقوى المقاومة لا تريد ذلك، وأنها تضع العصي في دواليب تلك التسوية، وهذا كذب وتزوير للحقائق بات مفضوحا.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة