لم يفرح بالوعكة العابرة التي ألمَّت باقتصاد إمارة دبي إلّا مَوتور وحاقد يمتلئ قلبه بصديد الغيرة غير النظيفة وغير الشريفة، فأولاً تشكل هذه التجربة مثالاً عربياً على أنه بالإمكان تحويل الصحراء إلى إنجاز حضاري عظيم، وثانياً أن هذا النهوض الذي وقفت خلفه منذ البداية إرادة شاب طموح ومقدام وواسع الأفق، أكد أن الإنسان العربي قادر على المساهمة في ركب الحضارة العالمي الذي يسير بسرعة ضوئية.

Ad

ما كان الغرب المصاب بعقدة التفوق يتصور قبل ثلاثة عقود من الزمن أن هذا الشاطئ الصحراوي على شاطئ الخليج، الذي يفتقر إلى ينابيع النفط والذي لا يصلح لا للزرع ولا للضرع، من الممكن أن يتحول خلال سنوات قليلة إلى هذه التجربة الإبداعية، وإلى كل هذا النهوض الحضاري، وإلى مركز مالي فريد لا مثيل له في العالم كله.

لقد كانت هناك تجربة هونغ كونغ، وهي تجربة زرعها الغرب تحت إبط الصين الشيوعية لتكون حافزاً للشعب الصيني للتمرد على نظامه الشيوعي، ولتكون محرضاً له على أن البديل عن ماوتسي تونغ واشتراكيته هو هذا الأنموذج الرأسمالي الصاعد نحو السماء من خلال الأبراج التي ارتفعت في منطقة محاصرة بمقولة "من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته".

لا الخبراء الغربيون هم الذين بنوا دبي ولا أموال النفط وحدها هي التي أنجزت هذه المعجزة الصحراوية، فهذا توافر لدول عربية مشرقية ومغربية، وتوافر أيضاً للعراق الذي لو لم يُبتلَ في لحظة تدفق العائدات النفطية الهائلة بقيادة متهورة لم تكن لديها القدرة على الرؤية أبعد من أرنبة أنفها لكان الآن في مصاف أهم الدول الغربية المتقدمة، ولما وقف في نهاية "طابور" دول العالم الثالث الغارقة في الفساد والتفسخ والويلات حتى أعناقها.

إن سر معجزة دبي هو محمد بن راشد، الذي تسلح بإرادة حديدية والذي ثار قبل كل شيء على جميع سلبيات الموروث، واستطاع بشجاعة وثابة أن يحطم القيود الاجتماعية البائدة، والذي أنهى معادلة "المستحيل" واستبدلها بتصميم لم يعرف التأرجح والاهتزاز بمعادلة "الممكن"، وحقيقةً إن إصراره على أن كل شيء ممكن هو الذي حوّل هذه الإمارة الصغيرة إلى ما يشبه الجوهرة، ليس في جِيد الخليج وحده ولا في جيد الوطن العربي فقط، وإنما في جِيد العالم بأسره.

والآن إزاء هذا الطارئ فإنه لابد من التذكير بالمثل العربي القائل: "لكل جوادٍ كبوة ولكل سيف نبوة"، والمؤكد أن دبي ستنهض من هذه الكبوة العابرة بأسرع مما يتصور الذين ما إن حصل ما حصل حتى أخذوا ينعقون كغربان الشؤم، والمؤكد أن الإرادة التي حوّلت هذا الشريط الصحراوي إلى حاضنة لكل هذه الإنجازات الحضارية العظيمة سوف تنتصر على هذا العارض الطارئ، وسوف تستأنف مسيرة الإبداع والعطاء بهمة وثَّابة وبوضوح رؤية وبإرادة محمد بن راشد نفسها، التي هي أساس ما أصبحت عليه هذه الإمارة الصغيرة الجميلة التي غدت كأقحوانة بيضاء عند ثغر الخليج.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة