في ذكرى رحيل الأديب والصحافي إحسان عبد القدوس (يناير 1990)، أحد أكثر الأدباء تأثيراً وحضوراً في السينما إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق، لا بد من بعض الإضاءات على نتاجه السينمائي.

Ad

يطلق النقاد على مرحلة كاملة في سينما المخرج صلاح أبو سيف «المرحلة الإحسانية»، أو «الإحسانيات»، إذ أخرج فيها أفلاماً مهمة تستند إلى روايات عبد القدوس من بينها: «لا أنام»، «لا تطفئ الشمس»، «أنا حرّة»، «الوسادة الخالية»، «الطريق المسدود» وغيرها. بدوره أخرج بركات فيلم «في بيتنا رجل» عن رواية لإحسان أيضاً.

لا تتوقف علاقة هذا الأديب والصحافي المرموق بالسينما على تحويل رواياته إلى أفلام بل كتب أعمالاً للسينما مباشرة، أهمها «الله معنا» (1954)، في أعقاب قيام ثورة يوليو، من إخراج الرائد أحمد بدرخان، ويعدّ امتداداً لتعبير إحسان الواضح عن مواقفه قبل الثورة وبعدها، كصحافي يحرر مجلة والدته روز اليوسف، سيدة الصحافة والفن الفذة، التي تحمل المجلة اسمها لغاية اليوم، وصاحب تحقيقات صحافية مدوية في أعقاب نكبة الأمة في فلسطين عام 1948، والتي كشف فيها عما عرف بـ «قضية الأسلحة الفاسدة».

عبّر «الله معنا»، بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي، عن الفساد الذي نخر الوطن قبل قيام الثورة، سواء في السراي أو في النظام السياسي خلال حرب فلسطين، وصفقات الأسلحة الفاسدة التي حققت أرباحاً لرجال النظام الملكي على حساب الجيش والمقاتلين ودفع ثمنها الشهداء. كذلك كان الفيلم بمثابة تحية للثورة على الوضع السائد، ويؤكد أنها كانت لازمة وضرورية في تلك الظروف والأوضاع.

كانت هذه أفلام إحسان في السينما المصرية خلال الخمسينات والستينات (عقدي الثورة)، لكن في ما بعد قدمت السينما المصرية أعمالاً أخرى مستمدة من رواياته، من بينها: «العذاب فوق شفاه تبتسم» إخراج حسن الإمام، «بعيداً عن الأرض» و{أبي فوق الشجرة» إخراج حسين كمال، «الرصاصة لا تزال في جيبي» إخراج حسام الدين مصطفى.

تبرز قضايا معينة أكثر من غيرها في «سينما إحسان عبد القدوس»، هي ذاتها التي ينشغل بها أدبه، ونراها على صعيدين:

الأول: حرية الوطن واستقلاله واستعادة سيادته وكرامته سواء قبل الثورة (في بيتنا رجل) أو بعدها (لا تطفئ الشمس)، ففي الأول نرى تجسيداً لكفاح المصريين وعمليات الفدائيين لتحرير التراب المصري من دنس الاحتلال البريطاني، الذي استمر من عام 1882 إلى 18 يونيو (حزيران) 1954، تاريخ جلاء قوات الاحتلال على يد ثورة يوليو (تموز).

في الفيلم الثاني نرى تشابكاً بين أشواق الجيل الجديد بعد الثورة وهمومه وصراعه ضد تقاليد باتت بالية تأباها الروح والقيم الجديدة، وبين معارك وطنية أخرى تفجرت بعد الثورة كانت في صدارتها معركة بور سعيد، تأميم قناة السويس والكفاح الشعبي ضد العدوان الثلاثي في عام 1956.

الثاني، يتمثل في تحرير المواطن والإنسان والمطالبة بحقوقه، خصوصاً المرأة لتسهم في بناء مجتمع يحطّم أغلاله القديمة ويتطلع إلى الشمس ويتحكم بمصيره وبإرادته، ويصوغ المستقبل مجدداً.

هذه القضايا وغيرها عبرت عنها روايات ثم أفلام: «أنا حرة» و{الطريق المسدود» إخراج صلاح أبو سيف، و{النظارة السوداء» إخراج حسام الدين مصطفى...

أعمال إحسان في السينما وفيرة وتعبّر بصدق وقوة عن رؤية وتوجهات وأشواق وآمال حقيقية أصيلة، لوطن وإنسان في إحدى أهم مراحلهما، وتستحق التأمل مجدداً والتناول والدراسة بعمق.