ما قل ودل: على هامش جريمة كترمايا في لبنان
- حماية العدالة وجه حضاري للبنان روع العالم أجمع بمشاهد الجريمة البشعة التي نقلتها القناة الفضائية اللبنانية "lBC"، والتي وقعت يوم الخميس 29 أبريل 2010 في قرية كترمايا اللبنانية، والتي عُذّب فيها مواطن مصري يدعى محمد سليم وعُلق على أحد الأعمدة وجُر من رقبته وسُحل أمام أهالي القرية، للاشتباه في ارتكابه جريمة بشعة وقعت في اليوم السابق مباشرة، ذُبح فيها جد وجدة مسنان وحفيداهما وهم من عائلة أبومرعي.
بشاعة هذه الجريمة في أن الجناة تجردوا فيها من كل معاني الإنسانية وقيمها، ولم يكن للعقل أو العاطفة سلطان على غرائزهم البوهيمية التي تجسدت فيها كل رغباتهم الشريرة وحقدهم الدفين على القتيل، ويعلم الجناة أن الحياة هبة من الله عز وجل، وأن حق الحياة هو وديعة لدى الإنسان، لا يملك أحد القضاء عليها، بل تتنادى شعوب العالم في المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام التي لا توقع أصلاً إلا بعد سلسلة من المحاكمات والإجراءات الجزائية تتفاوت ضيقا واتساعا بحسب دساتير وقوانين الدول المختلفة.- افتراض البراءة في الـمتهم:إن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها، أصلان كفلتهما الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والدساتير كافة.وإن افتراض براءة المتهم، يستصحب الفطرة التي جُبل الإنسان عليها، وهو كذلك شرط للحرية المنظمة يكرس قيمتها الأساسية، فضلا عن صلته الوثقى بالحق في الحياة، وبدعائم العدل التي تقوم على قواعدها النظم الدستورية والقضائية المتحضرة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.وإن هذه القرينة لا تنقض وفقاً لأحكام القضاء الدستوري إلا بقضاء بات، وهو أصل ثابت يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وينسحب أثرها إلى الدعوى الجزائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، ومن هنا رتّب الدستور، على افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة وتكون جماع عقيدتها، ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هي وحدها كلمتها فيها، وأن يكون مرد الأمر دائماً إلى ما استخلصته هي من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها (المحكمة الدستورية العليا في مصر، ق31 لسنة 16 ق دستورية).- حرمان الـمتهم من محاكمة عادلة منصفة: إن الحقوق الإجرائية الكاملة التي تكلفها الدساتير والقوانين للمتهمين هي وحدها الضمان لإنصافهم ولتحقيق العدالة في محاكمتهم، وهي تبسط حمايتها على المتهم في كل مراحل الاتهام بما في ذلك المرحلة السابقة على مثوله أمام قاضيه الطبيعي.بل إنه مما يعزز هذه الضمانة ويمنحها قيمتها العملية، ألا يكون تطبيقها مقصوراً على مرحلة الفصل في الاتهام الجنائي، بل يتعداه إلى المراحل السابقة لتوجيهه إلى المتهم، بما يكفل حق المتهمين في ألا تسترقهم السلطة بضغوطها، وألا تغويهم بما يقربهم منها أو ترهبهم ببأسها بما يدينهم، وعلى الأخص بعد انتزاعهم من محيطهم وإثارة الفزع في أعماقهم وتسلطها على إرادتهم، فلا يملكون غير الخضوع لها. ولا تكون محاكمتهم بعد ذلك غير خواء لا يرد عنهم ضرر. (المحكمة الدستورية في مصر ق 15 لسنة 17 ق جلسة 2/12/1995).- جرائم يجب التحقيق فيها حماية للعدالة:إن الوجه الحضاري للبنان لا يمكن أن تمسه هذه الجريمة التي وقعت من بعض القتلة الذين ترزح بهم المجتمعات كافة، وهو الوجه الذي يجب أن تؤكده التحقيقات التي يجريها القضاء اللبناني الآن، والتي يجب ألا تقتصر على الكشف عن الأيدي الآثمة، التي ارتكبت الجريمة البشعة التي راح ضحيتها القتيل المصري، بل يجب أن تتناول هذه التحقيقات جريمة قتل المواطنين الأربعة البشعة التي اشتبه في ارتكاب القتيل لها، وعدم الاعتداد باعتراف المتهم أمام الشرطة التزاما بأحكام المادة (47) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، وهو ما أكدته محكمة جنايات القتل في لبنان في حكمها بتاريخ 19/6/1976 (مجلة العدل سنة 1982)، ولوقوع هذا الاعتراف تحت تأثير التعذيب الذي تعرض له القتيل في المخفر، والذي تؤكده تصرفات أفراد الشرطة الذين تقاعسوا في أداء واجبهم في حماية المتهم عند اقتياده لتمثيل الجريمة، وفي حمايته في المستشفى التي نقل إليها بعد أن أصيب إصابات بالغة إثر تعرضه للضرب، الأمر الذي أدى إلى خطفه من المستشفى وتعذيبه وسحله وقتله، وهو وديعة في أيدي سلطات الدولة.إن عدم وقوع الأمن الداخلي في لبنان وقاضي التحقيق تحت تأثير التقاعسي الذي وقع من أفراد الشرطة في حماية القتيل الأمر الذي أودى بحياته، هو أمر واجب وضروري، وذلك حماية للعدالة حتى لا يظل القاتل الحقيقي طليقاً حراً، كما حدث في جريمة قتل مشابهة وقعت منذ أكثر من أربع سنوات في القرية ذاتها وبالطريقة ذاتها التي نفذت بها جريمة قتل المواطنين الأربعة والتي لايزال فاعلها حراً طليقاً، وقد يكون هو مرتكب الفعل الجديد، وحيث لا يمكن نسبة الجريمة السابقة إلى القتيل، وهو لم يدخل لبنان إلا منذ بضعة شهور، ضيفاً على أمه المتزوجة من لبناني.كما يجب على القضاء اللبناني التحقيق كذلك في مسؤولية رجال الشرطة عن الانحراف بسلطتهم واختراق الضمانات الإجرائية التالية:1- منع مداهمة منزل المتهم وتفتيشه وتوقيفه إلا بإذن قضائي [المادة (44) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني والمادتان (207) و(212) من المرسوم الاشتراعي اللبناني].2- منع استجواب المتهم بمعرفة الشرطة [المادة (152) أصول المحاكمات].3- اقتياد المتهم لتمثيل الجريمة في غير حضور قاضي التحقيق وقبل استجوابه أمامه بالمخالفة لقانون أصول المحاكمات اللبناني.