أظن أن البقية الباقية من «فلول» المتفائلين عندنا هذه الأيام، ما عاد بيدها إلا أن تستحلب الأشياء استحلابا بحثا عن الأمل بغد أجمل... وقد انضممت أخيرا إلى هذا الفريق، بل طلبت من بعض الأصحاب تنبيهي كلما ظهرت مني علامة تدل على اقترابي من «جال» الإحباط والتشاؤم الذي كنت قد استوطنته لسنوات، فهذا المرض، أعني مرض الإحباط والتشاؤم لا طيب الله ذكرهما، مرض معد سريع المفعول، إن أصاب الواحد فإنه سيطبق عليه، وينشب أظفاره في جدران روحه ويخنق كل بقعة ضوء باقية في نفسه، فلا يستطيع الفكاك منه إلا بشق الأنفس... واسألوا أولئك القلائل ممن قد منَّ الله عليهم بالشفاء منه!
والدليل على كلامي هذا، هو أعداد المتشائمين «المتشائلين المتنرفزين النرفوزين»، الذين ملؤوا الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا في واقعنا... والتي هي أعداد آخذة بالتزايد الحثيث... الخبيث، ألستم معي يا سادة بأن الأغلبية «تتحلطم» وتئن وتشكو، إن لم تكن تسب وتلعن، كل شيء وأي شيء، لأجل كل شيء وأي شيء؟! إذن فالخطب جلل، والرزء خطير، والمصاب عظيم!منذ مدة، لا هي بالقصيرة ولا هي بالطويلة كذلك، أهداني أبو طارق، أستاذنا محمد السنعوسي، نسخة من برنامجه «الرسالة... ما لم يقال»، والحقيقة أني حينها- وأرجو ألا يزعل مني أبو طارق إن هو قرأ هذه الكلمات- لم أعر الأمر الكثير من الانتباه حينها، ولا أدري ما السبب على وجه الدقة، لكن لعله مرتبط ببقايا التشاؤم المترسبة في دهاليز نفسي قبل أن أشفى من المرض. يومها، أخذت قرص الـ»دي في دي»، وشكرت صاحبه على تلك اللفتة اللطيفة، فدسسته في حقيبتي وبين أوراقي بشكل آلي، ليرقد هناك بين ثناياها لفترة من الزمن، وبالأمس القريب، وأنا أنفض الحقيبة، إذا بالقرص يطل من بين محتوياتها، وكنت قد نسيت أمره، فأخرجته وألقمته جهاز العرض الموصول بسيارتي، بغية أن أشاهد منه ما يتيسر على الفترات المتقطعة التي ستسنح عن التوقف عند إشارات المرور أو في محطات البنزين!وابتدأ العرض، وإذا بخطتي الكسولة المتثاقلة تتغير مئة وثمانين درجة!من الدقائق الأولى، وبالرغم من البساطة الواضحة وعدم تكلف الإخراج الفني للبرنامج، تمكن أبو طارق وباقتدار من أن يشدني لما يقوله، معتمدا على طريقته السردية المحببة وكاريزماه المعروفة، وكذلك على شريط الصور الذي كان يمر في الخلفية موصولا بتتابع مطر الذكريات المنهمر على أنغام تلك الموسيقى التاريخية العميقة الدافئة التي ارتبطت في الأذهان بفيلم «الرسالة»، فجلست طوال مدة البرنامج قابعا في سيارتي أتابع بشغف شديد!«الرسالة... ما لم يقال» قدمه الأستاذ محمد السنعوسي، ليسرد من خلاله تلك الذكريات والوقائع، التي لم أكن أعرف منها شخصيا إلا الشيء القليل، عن كيف نشأت فكرة فيلم الرسالة، وكيف تطورت من مجرد فيلم وثائقي إلى فيلم درامي بميزانية ضخمة جدا، وعن تلك الصعوبات والمفارقات التي واجهت هذا العمل الجبار على مراحله المختلفة، وكادت أن تتمكن من إيقاف عجلته، لولا أن كتب الله لهذا العمل أن يرى النور، وكذلك عن ذلك الدور المحوري الذي لعبته الكويت، ماديا ومعنويا بالإضافة إلى البحرين والمغرب وليبيا لإنتاج هذا الفيلم.كثيرة هي الأشياء الجميلة والمبهرة التي تحدث عنها أبو طارق في هذا البرنامج، ولكن أكثر ما استوقفني شخصيا هو تلك الروح الإنسانية التي لفت فريق العمل الذي تولى إنتاج وإخراج هذا الفيلم، ابتداء بالمخرج الراحل مصطفى العقاد، مرورا بالأستاذ محمد السنعوسي نفسه، وبكل الرائعين أفراد ذلك الفريق المتكامل، وبالفعل، بمثل هذه الروح الوثابة العنيدة الشجاعة تتحقق الطموحات الكبيرة، وتقترب الأماني البعيدة، وتلين الصعوبات.شكرا يا أبا طارق على هذه الهدية الجميلة التي أعانتني على التمسك بالتفاؤل، وذكرتني بأنه لايزال في واقعنا الكثير من الجمال، وأرجو المعذرة على تأخري في الكتابة عنها. وشكرا جزيلا ألف مرة على فيلم «الرسالة» الخالد، الذي لانزال نستمتع بمشاهدته بنفس بهجة وفرحة المرة الأولى!
مقالات
السنعوسي... وروعة الرسالة!
20-06-2010