زمن عبدالله السالم هل الشيوخ أبخص؟

نشر في 28-12-2009
آخر تحديث 28-12-2009 | 00:00
 أ.د. غانم النجار ربما كانت عبارة "الشيوخ أبخص" إحدى أكثر العبارات تداولاً، في زمن مضى. والبخص هو الدراية، والمعرفة، والحذق، والتبصر بالأمور. أما الشيوخ فهي جمع كلمة شيخ، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة. وحتى نهاية زمن عبدالله السالم فإن كلمة "الشيوخ"، كان يقصد بها أمير البلاد، فيقال مثلاً إن "الشيوخ قالوا"، أو أن يقول أحد مثلاً إنه ذاهب للشيوخ فإنه يقصد بذلك أمير البلاد. ولسبب أو لآخر فقد اختفى هذا المعنى بالتدريج منذ عهد الشيخ صباح السالم رحمه الله، وعلى هذا الأساس فإنه بات مرجحاً أنه حتى وفاة الشيخ عبدالله السالم رحمه الله فإن مصطلح "الشيوخ أبخص" كان يقصد به أن الأمير أكثر دراية وإدراكاً للموضوع المطروح للنقاش.

إلا أنه ومع رياح التغيير، أصبحت كلمة شيوخ تعني جمع لمفردة شيخ، وبالتالي فإنها تعني أفراد الأسرة الحاكمة قاطبة، سواء من كان منهم أبخص أو من كان دون ذلك. وبالتالي فإن حالة الدراية والبخص التي كانت متوافرة ومخصصة لسمو الأمير فقط، انتقلت إلى الجميع دون استثناء. تم ذلك بالطبع بدون قرار من أحد، ولكنها سنة التغيير، والتغيير هو الثابت الوحيد في السياسة. فإن كان الحال كذلك، فهل كل أفراد الأسرة هم من النوعية الباخصة؟ وهل الخلافات الدائرة والتصريحات المتكررة تجعلنا نطمئن إلى مقولة كهذه، وبهذه الدرجة من العمومية؟

الأهم في هذه المسالة "الشيوخية"، أن البخص المقصود في النسخة الجديدة للمصطلح في أساسه يدور حول الرأي والرأي المضاد. إذ لم يعد المقصود هنا حصافتهم ودرايتهم المطلقة بأمر ما، فهم على أية حال مثلهم مثل غيرهم من البشر يصيبون ويخطئون، ولكن المصطلح بنسخته الحالية أصبح له استخدام جديد، في وجه كل معارض للسلطة، بل إن ذلك كان واضحاً عندما تداخلت الأشياء في الانتخابات الماضية، فتم إقحام جهاز أمن الدولة في قضايا الرأي، وتم اقتياد مرشحين وإعلاميين إلى أمن الدولة بسبب آراء أدلوا بها، علماً بأن لدينا قانون مطبوعات به من المحرمات أكثر مما به من المحللات.

ولعله بات واضحاً أن أحداث السنة المنصرمة فيما يتعلق بحرية الرأي تدل على أننا في حاجة إلى مراجعة جدية لمعايير حرية التعبير بما يتفق مع مبادئ الدستور ومنطوق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الكويت، وهي غير متوافرة في النصوص الحالية، كما أنه بات واضحاً أن حكومتنا ليست رشيدة كما ينبغي، أو كما يقال، وأنها ليست أهلاً للثقة في تطبيقها لمعاييرها الخاصة بحرية التعبير، وأن إعطاءها الضوء الأخضر في التعامل مع الرأي الآخر كرد فعل لبعض الموتورين أو المتطرفين أو العنصريين، لن يقودنا إلّا إلى مزيد من القمع ومصادرة الرأي الآخر، ونكرر، وإن بتفاصيل مختلفة، تجربة تعيسة مرت على البلاد ما بين 1986 و1990. ولنتذكر جيداً أن الغزو العراقي قد حدث في إطار هيمنة إعلامية كاملة ورقابة مسبقة وسيادة كاملة لنظرية وتطبيق مفهوم الشيوخ أبخص.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة 

back to top