إيران الخضراء
في التاسع من يوليو القادم ستكون الذكرى العاشرة للمظاهرات الاحتجاجية للحركة الشبابية الإيرانية التي قمعت بعنف من قبل ميليشيات الباسيج. لم تكن تلك الحركة معارضة للتيار المتشدد فحسب، بل التيار الإصلاحي كذلك (الذي كان يقوده الرئيس السابق آنذاك محمد خاتمي) لفشله في إحداث التغيير والإصلاح المنشود، فصلاحيات منصب الرئيس الإيراني محدودة وتصطدم بسقف المرشد «الولي الفقيه» الذي يمتلك القرار ويتمتع بصلاحيات واسعة، ومن ضمنها حق تعيين نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور والذي بدوره يختار المرشحين للرئاسة ويصادق عليهم، لذا يستحيل أن يخترق أي مرشح معارض للنظام، الأمر الذي يجعل من الديمقراطية الإيرانية (كمعظم الديمقراطيات في شرقنا) ديمقراطية شكلية ليس إلا. وبالرغم من أن السلطة الإصلاحية في عهد خاتمي كانت أكثر تواصلا مع الشباب ونسبيا أكثر انفتاحا لكن الحركة الطلابية طالبت باستقالته وإجراء استفتاء عام بشأن النظام السياسي في إيران، ومنحهم مزيدا من الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين... وهي كما مطالبات اليوم بديمقراطية حقيقية تأتي برئيس حقيقي يقوم بتغيير حقيقي لسياسات التيار المتشدد الفاشلة داخليا في عجزها عن توفير العدل الاجتماعي وتردي الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدرجة اضطرار هجرة الآلاف سنويا، وخارجيا حيث العزلة وسياسات الصدام مع دول الجوار والعالم وخوفهم من أن تؤدي مغامرات الرئيس نجاد غير العقلانية (الذي يعتقد أن يد الإمام المهدي المنتظر الغائب هي التي تحكمها) إلى عقوبات اقتصادية أو حتى إمكانية وقوع الحرب.
ها هي الانتفاضة الشبابية تعود مرة أخرى بشكل أكثر عزيمة وتنظيما، رافضة تزوير الانتخابات و «فوز» أحمدي نجاد بولاية ثانية. فهناك مؤشرات تشي بتزوير الانتخابات مثل منع الناخبين من التصويت بحجة عدم توافر أوراق الاقتراع، ومنع مندوبي المرشحين الإصلاحيين من الحضور في وزارة الداخلية أثناء جمع الأصوات وعدّها وغيرها من الأمور، بالإضافة إلى الاستطلاعات التي بينت أن الأجواء الشعبية كانت واعدة بالتغيير. وها هي تنبؤات بعض المحللين السياسيين تصدق في وصف الحركة الشبابية الإيرانية بالقنبلة الموقوتة، وفي تأكيدهم أن المظاهرات الشبابية القادمة لن تكون مجرد حركات هامشية عابرة ولكنها وقود لثورة حقيقية تسعى إلى تغيير حقيقي... وها هو الجيل الثالث (منذ بدء الثورة الإسلامية) الذي تأثر بالحركة الثقافية العالمية وثورة الاتصالات يغضب ويثور ويتظاهر مشككا بتزوير هذه الانتخابات، وحاملا شعار «لتسقط الدكتاتورية»؛ فالمظاهرات السلمية وسيلة من وسائل الضغط في الأنظمة الديمقراطية، فقد يئسوا وتململوا وضاقوا من سيطرة نظام الملالي الذي كتم على أنفاسهم ردحا من الزمن، ومن رجال الدين الثيوقراطيين الذين صادروا حقوقهم الإنسانية وسلبوا حرياتهم وحرموهم من الحياة الكريمة... ولكن هذا النظام طالما حاول تأجيل التهديدات الداخلية عن طريق الانشغال بالتهديدات الخارجية التي كانت الوسيلة الوحيدة الكفيلة بتوحيد الصفوف وإلهاء الناس عن الشأن الداخلي. وقد بدأت شرارة هذه التهديدات الداخلية منذ بداية الثورة الخمينية التي هادنت في البداية القوى الوطنية ضد الدكتاتورية الشاهنشاهية، ليتصارع بعدها المعارضون الوطنيون مع رجال الدين، ولتتم تصفيتهم بطريقة دموية وتهجير الكثير منهم إلى كل أصقاع الدنيا، وليستفيد النظام الديني المتشدد من حربه مع العراق في التصفيات الداخلية، أما اليوم فهو يحاول يائسا إشغال الشعب عن الشؤون الداخلية تحت ذريعة صد ومواجهة الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر». وقد استفاد كثيرا من تطرف بوش الذي كان يستمد منه القوة، حتى أتى أوباما الليبرالي مادا يده للإيرانيين من أجل المشاركة والتصالح، ليصطدم النظام الديني المستبد بالواقع المرير الداخلي ومجابهة الفشل الذريع على جبهات عدة، لذا أريد لأحمدي نجاد الفوز بولاية ثانية لأنه رجل المصادمة والاستفزاز للعالم أجمع (عدا حلفائه في سورية و«حزب الله» و«حماس»)، لأن النظام الديني الثيوقراطي لا يمكن له أن يدوم دون تأزيمات خارجية يعيش عليها، ولأن توقف «الأزمة مع الغرب» يهدد النظام الديني برمته.وها هو التيار الديني القروسطي يواجه الملايين من المتظاهرين بكل وحشية ودموية محاولا قمعهم وقمع أصواتهم، بل منع وسائل الإعلام من تعرية هشاشتهم وضعفهم، فالشعب الإيراني ليس كما يعتقد الكثيرون شعبا مؤدلجا لا يعرف غير ثقافة «ولاية الفقيه»، بل هو شعب حضاري راق يمتلك ضميرا واعيا وحسا إنسانيا صاحيا، يرفض أن يدفع الضرائب لتصرف أمواله في جنوب لبنان باسم الثورة أو للإنفاق على السلاح النووي بينما يعاني البلد أزمة اقتصادية طاحنة. لم ينهض الشباب الإيراني اليوم من أجل موسوي وسياساته فحسب، فهو ابن النظام، ولكنه انتفض ونهض من أجل الحرية والديمقراطية والإنسانية والحداثة ورغبة في الحياة والعيش الكريم ضد الفساد والطغيان والبطش. وقد أثبت التاريخ أن تجارب استخدام الدين في السيطرة والهيمنة هي تجارب فاشلة يرتكب فيها أفظع الجرائم باسم الدين.فهل تنجح الانتفاضة الخضراء في تغيير نظام الملالي الشمولي المستبد؟نأمل أن يكون التغيير سلميا وبأدوات ديمقراطية سلمية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء