ما كان بودي أن أستخدم هذا اللفظ بصيغته الأجنبية، ولكنني عجزت أن أجد مرادفه في العربية، وعجزت أيضا أن أجد ما يشخص الحالة التي يعيشها المجتمع السياسي والاعلامي والثقافي والاجتماعي في الكويت سوى هذه الكلمة، التي ربما وجد البعض أنها وصف أكبر من واقع الحال. سأتفق مع هذا البعض وأقول إن الأمور عادة تبدأ هكذا حتى تصل الى حال تكون الكلمة أعلاه قليلة في وصفه.

Ad

زينوفوبيا كلمة تدل على خوف طبقة ما في المجتمع من طبقات أخرى دون أدنى مبرر سوى الوهم الذي يكبر في ذهن تلك الطبقة حتى يتحول الى واقع. الخطوة التي تسبق حالة الزينوفوبيا هي محاولة نبذ بقية طبقات المجتمع ووضعها تحت خانة "الغرباء". في اغلب الدول تكون العنصرية واختلاف الأعراق واللون هي المبرر للحالة. وعادة تتشكل الطبقة الخائفة من أصحاب النفوذ المالي والسياسي والاعلامي مقابل بقية طبقات تكون أصواتها بالكاد تسمع ونفوذها المالي والسياسي لا يكاد يذكر. واذا قدّر لبعض فئات هذه الطبقات هذا النفوذ انضمت لا شعوريا الى الطبقة الأقوى وتقبلتها تلك الطبقة لالتقاء المصالح.

لتحليل الوضع بصورة أدق لا أعتقد أن المجتمع الكويتي يعاني مشكلة طائفية ولا قبلية ولا تختلف شرائح المجتمع عرقيا أو اثنيا. لم يكن في ثقافة المجتمع منذ تكونه وتحديدا في نصف القرن الماضي أي مؤشر يدل على وجود صراع بين فئات المجتمع على الرغم من الايمان باختلافها. ما يعانيه المجتمع اليوم هو الطبقية. ومحاولة فئة تمتلك الصوت والمال والنفوذ السياسي لتشكيل طبقة خائفة، دون مبرر، من بقية الطبقات. ولأن العرق واللون لا دور حقيقيا لهما في هذا الخوف جاءت الجنسية بمعنى المواطنة لتشكل مبررا لهذا الخوف.

الذي ينظر الى المشهد السياسي والاعلامي في الكويت ويؤمن أنه انعكاس لصورة المجتمع يضع يده على قلبه مما يمكن أن تؤول اليه الأمور اذا لم يتدخل المثقف والاعلامي والسياسي لإيقاف حالة التشنج الغريب التي تصيب طبقات المجتمع وفئاته. من الصعوبة بمكان أن تصهر مجموعة من الطبقات في مجتمع ما ولكن من اليسير جدا أن تفتت أي مجتمع الى طبقات. بالتأكيد لا أحد من المتناحرين يتمنى أن تصل الأمور الى التدهور، وربما لا يدرك زعماء هذه الطبقة أو تلك أنهم سيصلون الى حالة الخوف من الآخر وردة الفعل نتيجة هذا الخوف لأن الذي يعبث بالسلاح لا ينتبه الى قدميه.

لا أرى في محاولة تفتيت المجتمع الى فئات هدفا واضحا سوى محاولة اقصاء الآخر وادراجه في خانة هذا الغريب ثم تجسيد حالة الخوف منه. وبتعبير أدق رفع درجة مواطنة طبقة معينة مقابل أخرى وافتعال حالة الزينوفوبيا. وقد ينكر قادة الصراع الاعلامي والسياسي ذلك ويرون في هذا الطرح تضخيما لا مبرر له ولنا الحق هنا أن نسأل سؤالا واحدا: ما هو الهدف الذي تسعون الى تحقيقه من هذا الصراع؟ حين نجد اجابة مقنعة سنعتذر ونعترف أننا نضخم الأمور.

يؤلمني جداً هذا الصراع الطبقي وربما لأنني أنظر الى وطني من بعيد أرى مشهدا مختلفا عما يراه المواطن في الداخل. ولكن الذي يؤلمني أكثر أن أصوات المثقفين والاجتماعيين والسياسيين التي بإمكانها أن توقف هذا الغليان الاعلامي والسياسي تنضم ودون مبرر أيضا الى أصوات الأغلبية الصامتة وكأن الأمر لا يعنيها. مع تقديرنا الكامل لبعض الأصوات التي تسعى جاهدة لإيقاف حالة التشنج.

اليوم سينتهي كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا وسينصرف الاعلام عن جوهانسبرغ أتمنى أن يبقى اعلامنا الكويتي متابعا لما بعد أحداث الكرة وما ستصنعه الزينوفوبيا هناك، ربما نعتبر.