الطريق إلى البرلمان يوم أمس كان مزدحماً كالعادة، رجال شرطة المرور يحاولون تخفيف حدة الاختناق، لكن بلا جدوى، ازدحام متوقع أمام بوابة المجلس، وأفراد الحرس الوطني ينظمون الدخول مثلما هو الإجراء المتبع مع أي جلسة مهمة يشهدها البرلمان.

Ad

أفراد قوة الشرطة في وضع استنفار كامل استعدادا للقمة الخليجية، بقية القوات المسلحة وضعها طبيعي، الجيش في ثكناته، والحرس الوطني في معسكراته، قبل جلسة أمس وفي أثنائها وبعدها شهدت المدونات والقنوات الفضائية حالة فوران إعلامي، تخللها سيل جارف يولد نفسه ويجتر نفس المعلومات، السرية لم تعد سرية، وبإمكان أي مواطن الاطلاع على تفاصيل ما يدور داخل قاعة «عبدالله السالم»، التي بقي داخلها فقط أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية.

تحت «قبة عبدالله السالم» يُنادى الأعضاء بأسمائهم، دون إضافات، فلقب الشيخ ليس له وجود، وفيها يتساوى النائب مع الوزير، المواطن مع ابن الأسرة الحاكمة، والسنّي مع الشيعي، وفيها فقط تكون قامة أستاذ الجامعة فيصل المسلم على نفس مستوى قامة رئيس الحكومة، ومسلم البراك مع رئيس الأركان الأسبق، ومبارك الوعلان مع فاضل صفر، وضيف الله بورمية مع وزير الدفاع.

فقط في الكويت، يصعد رئيس الحكومة منصة الاستجواب، ويناقش تفاصيل مصروفاته وميزانية مكتبه، ويقدم شرحاً عن حسابه الخاص، وتستمر الحال على ما هي عليه، دون تخوين أو تشكيك، وكذلك يشهد البرلمان أربعة استجوابات دون أن يحدث ذلك أي ربكة سوى قليل من هياج إعلامي وحفلة زار بسيطة.

الممتع فيما شهدته الكويت في الأسبوعين الماضيين أنها كشفت الأقنعة، وتحول خلالها اللعب من تحت الطاولة إلى العلن، واتضح مَن يحرك مَن، ومَن يدعم مَن، ودخل صراع أبناء الأسرة مرحلة جديدة، عنوانها شفافية الاختلاف بدلاً من سرية الخلاف، وهو ما أدركناه متأخراً، وفهمنا مغزاه، لأن يوم أمس لم يشهد أي نقاش حول سوء التعليم أو ارتفاع معدلات الجريمة أو سوء الطرق أو حتى الفساد الإداري وشراء ذمم النواب عبر تمرير معاملات، بل رفعنا عناوين الإصلاح وغلفنا بها أجندات خفية، واستخدم لتطبيقها نواب «gun for hire» أو المسدس المأجور، يستخدمه الأكثر قدرة على الدفع.

سرية كانت أم علنية، حول مصروفات الديوان أو شيكات الحساب الخاص، وسواء انتهت بتقديم طلب عدم التعاون أم الاكتفاء بالمناقشة، فإن الجانب المشرق في كل هذا أن رئيس مجلس الوزراء صعد منصة الاستجواب، ورد على اتهامات ساقها بحقه مواطن، دون أن يتعطل البلد، هذا الأهم، وهو ما يجب أن نقف أمامه احتراماً للدستور وللرجال الذين صاغوه، لأن الكويت بفضله أصبحت كياناً راسخاً وليست دولة ورقية، تتناثر عند هبوب أي عاصفة.