مع طول التجربة، وكثرة المران في دنيا الصحافة، وازدياد سماكة الجلد تبعا لذلك، ما عادت تهمني التصنيفات، فلست أنتشي إن قيل إني إسلامي أو سلفي ولا أنكسر إن سحبت مني «بطاقة العضوية» فقيل إني غير ذلك، فمقدار ارتباطي بديني بيني وبين ربي المطلع على ما تخفي الصدور.
استضاف الإعلامي تركي الدخيل في برنامجه «إضاءات» على قناة «العربية» يوم الجمعة الماضي رئيس تحرير جريدتنا هذه الزميل خالد هلال المطيري، وقد تطرق الحوار إلى مسألة أن «الجريدة» صحيفة ليبرالية، وأن أغلب كتابها من الليبراليين، وأنه لا يوجد فيها أحد محسوب على التوجه الإسلامي، فجاء اسمي بأني الكاتب الإسلامي الوحيد هنا.واضح أن هناك، خصوصا من الليبراليين، من يحلو له أن يصنفني ككاتب إسلامي، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن نشاطي السياسي منذ بدايته قد ارتبط بالتيار الإسلامي، وكذلك لأني ملتح، وربما، ولعله الأهم، لأنه يرى في طرحي خروجا عما ألفه من الإسلاميين، وسيكون مثيرا أن يقدمني كنموذج للإسلامي «المتطور والمختلف»، أو ذاك الذي يمكن التفاهم معه، كما قالها لي أحدهم مرة، وهناك كذلك من يحلو له، خصوصا من الشيعة، أن يقدمني دائما باعتباري سلفيا، والسبب في ذلك أني في مواقف كثيرة قدمت طرحا رأى فيه البعض دفاعا عن الشيعة وعن «حزب الله» بالتحديد، وبالتالي كان لافتا أن يأتي مثل هذا الطرح من سلفي في حين أن السلف، كما هو شائع، هم الأشد بغضا ومناكفة للشيعة، وهناك أيضا من يناسبه أن يصنفني كقبلي مع حرصه على تسليط الضوء على أني رافض للانتخابات الفرعية وتحويل القبيلة إلى كيانات سياسية وإخراجها من إطارها الاجتماعي، لأنه سيكون مثيرا أن يظهرني بمظهر القبلي «المتمرد»، وفي مقابل هؤلاء، أعرف أن هناك من «الإسلاميين» من يحرص على أن يقول إني ما عدت أرتبط بالإسلاميين بأي صلة، فأنا أكتب في صحيفة ليبرالية ضالة تعادي «الدين» وأهله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما أني غالبا ما أطرح طرحا لا يطرحه الإسلاميون، ومنه أني منذ سنوات، على سبيل المثال، لم أتورع عن المجاهرة بالمطالبة بحقوق المرأة السياسية، وكذلك هناك من يحلو له أن يقول إني انسلخت عن وشائجي القبلية، وغير ذلك، كل وفقا لتيار «هواه».قد أفاجئ القارئ حين أقول بأني لست في وارد تفنيد شيء من هذا، وكل الأمر أني استُخدمت كمثال لأصل إلى القول بأن هذه طبيعة البشر، فالناس تحب التصنيف، فهو مريح للعقل، فكل إنسان وحين يقال له إن فلانا من الناس شيعي أو سلفي أو من الإخوان أو ليبرالي أو قبلي أو غيرها من الانتماءات، سيكون سهلا ومريحا لعقله أن يسحب عليه بعد ذلك كل ما يضمره ويعرفه عن الفئة التي تم تصنيفه إليها، وسيسهل عليه بعدها مقارنته بأتباع فئته ومحاسبته وحتى محاكمته، في حين أن عدم التصنيف سيجعله مضطرا أن يستعرض ويتفكر في مواقف وأفكار هذا الشخص موقفاً موقفاً وفكرة فكرة، وهو الأمر الثقيل على العقل والنفس ولا شك.مع طول التجربة، وكثرة المران في دنيا الصحافة، وازدياد سماكة الجلد تبعا لذلك، ما عادت تهمني التصنيفات، فلست أنتشي إن قيل إني إسلامي أو سلفي ولا أنكسر إن سحبت مني «بطاقة العضوية» فقيل إني غير ذلك، فمقدار ارتباطي بديني بيني وبين ربي المطلع على ما تخفي الصدور، ولا يعنيني كذلك أن يغتابني البعض فيقولون إني قد انسلخت عن قبيلتي، أو أن يعيدني آخرون إلى حضنها، فلست أراني في موقع الاتهام أصلا.قصارى ما يعنيني هو ما أعرِّف به نفسي من كلمات ومواقف، فمن شاء وامتلك القدرة، فله أن يحاورني حولها بكل ود واحترام، وأما غير ذلك فخارج حساباتي.
مقالات
... اسلامي في جريدة ليبرالية ضالة!
08-11-2009