مباشرة ومن دون مقدمات مجانية لا معنى لها، أقول إن ما يحدث ويتكرر بشكل بغيض في بعض المقالات "الصحافية" يدعو إلى الحزن والأسى أولا، ويثير الشفقة على الحال المتردي الذي وصلت إليه صحافتنا وإعلامنا ثانيا. لن أدعوكم إلى النظر إلى الخلف، ولن أذكركم بمستوى صحافتنا في العقود الماضية، لكني أقول لكم بكل صراحة أوقفوا هذا العبث الطفولي واحترموا أقلامكم ليحترمكم الآخرون. احترموا الكلمة التي تدخل بيوت أبنائكم وبناتكم ونسائكم، احترموا اللفظ الذي تكتبون دون أن تعلموا الأفق الذي يصل اليه. لن أحصي لكم عدد الكلمات الخارجة والجارحة والمسيئة التي تتصدر بشكل شبه يومي زوايا أصحاب الزوايا، فهي في حاجة إلى دراسة لغوية ونفسية لبحث محتواها وأسبابها. ولكي أكون موضوعيا سأبحث في أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها.

Ad

الذين يعتقدون أنهم بكتاباتهم المسيئة لزملائهم أو لمعارضيهم وباستخدام ألفاظ نابية بعيداً عن أدب المقال وتأدب كاتبه وثقته في المقابل بأدب المتلقي يحققون انتشاراً وقبولاً لدى العامة هم في الحقيقة يفتقدون الوعي ويجهلون الهدف السامي للكتابة.

 فلينظر هؤلاء الزملاء إلى هامش الصحف اليومية على النت وليتابعوا أكثر المواد قراءة، ليجدوا أن أخبار جرائم الأخلاق وأنباء الراقصات وأشباه المطربات هي أكثر المواد الصحافية مشاهدة ومتابعة، فهل هذا هو الانتشار الذي يطمحون إليه أم يرون أن الردود على مقالاتهم والتي تحمل لغة مطابقة للغتهم هي الهدف الأسمى لمقالاتهم؟  

تطورت هذه الظاهرة المسيئة للأسف في الوقت الذي رأينا فيه مجموعة من الأقلام الكويتية على مختلف مشاربها ومعتقداتها وتباين أيديولوجياتها العقائدية والعلمية تحتل مكانها الطبيعي في صحافة بلدها. والكتاب الذين يعتمدون ذلك الخطاب المنحدر في النزاع الفكري والاختلاف السياسي أو الديني ليسوا أشباه أميين لا يدركون خطورة الكلمة وصداها، وإنما بينهم من هو متدين بلحية خفيفة ومتوسطة وفوق المتوسطة وبينهم من يحمل حرف الدال تتبعه النقطة وهم ينتشرون بكثرة حتى كادت القلة المثقفة وأصوات كتّاب المقال السياسي والاجتماعي تختفي وسط هذا الهوس الصحافي الجديد.

السبب الرئيسي والأهم في انحدار الخطاب الصحافي هو ثقافة كاتب الزاوية أو العمود الصحافي ومخزونه الثقافي وتجاربه الحياتية. وثقافة الكاتب ليست شهادته ولا قدرته على الخطابة الدينية. لا أستطيع التعميم هنا ولكن أغلبية الكتاب هم معلقون على الخبر الصحافي ومعقبون على تعليقات زملائهم على ذات الخبر. وينحدر خطابهم الصحافي تحت وطأة انفعالهم أو ضعف حجة اقناعهم. ولا يفرق بعضهم بين الاختلاف الفكري والخلاف الشخصي. الطامة الكبرى أن يكون البعض مدركا لما يحدث وهو يريد الخلاف لا الاختلاف، هنا مكمن الخطورة.

الإسفاف ـ أقولها معتذرا للقارئ ـ ينتشر بسرعة حادة ومخيفة في الوسط الصحافي وهو أهم أوساط ثقافتنا ومقياس تحضرنا وصورتنا أمام الآخر. صحافتنا لها تاريخها وريادتها ومع انتشار النشر الإلكتروني أصبح يتابعها الجميع في كل مكان من العالم، وما يحدث لها على يد أبنائها يدعونا إلى المطالبة بالتوقف قليلا ومراجعة النفس وضبطها. نحن لسنا ضد الاختلاف بل ان الاختلاف هو الباعث الأساس للسؤال ولطريق المعرفة، لكننا ضد امتهان كرامة المخالف للرأي. فقبل أن أجد المساحة التي أعبر بها عن نفسي علي أن أتأكد من وجود مساحة مشابهة لرأيك.

ونحن نذكر كتابنا المسيئين الى أنفسهم والينا جميعا علينا أن نمتدح ونقدر كتابنا الكرام الذين حافظوا على بهاء الكلمة وهم بالتأكيد الأغلبية، ونؤكد أن حرصنا على زملائنا ـ وان اختلفنا معهم ـ هو الدافع الى تنبيهنا لهم لأن هناك بلدا سمعته في الخارج أهم، ونحن لا نشك في أنها تهمهم في الداخل أيضا.