دفاعاً عن ابن تيمية
أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الملقب بشيخ الإسلام ولد في 661هـ هو أحد العلماء البارزين في القرن الثامن، ولد في حران وهي بلدة تقع حاليا في تركيا، كانت جدته لوالده تسمى تيمية وعُرف بها، كان ابن تيمية حاد الذكاء، واسع الاطلاع، وخاض في العلوم الشرعية جميعها من تفسير وحديث وفقه وأصول، بل ما لا يعرفه الكثيرون عن ابن تيمية أنه تعمق في المنطق والفلسفة رغم أنه حرمهما على أتباعه مخاطباً إياهم بقوله «لقد تعلمت لكم الفلسفة والمنطق ووقفت على مقاييسهما ومفاهيمهما، فعلمت أن أكثر ما فيها باطل من الكلام ووهم من القول، فلا تضيعوا بهما وقتاً ولا تبذلوا في سبيلهما جهداً بدون طائل، فإن الاشتغال بهما عليكم حرام ومحظور». إلى جانب الصفات التي ذكرناها عن ابن تيمية، فإنه كان يتصف بالاعتداد الشديد بآرائه، وربما تكون هذه الصفة بالذات هي التي جعلته يحمل بشدة على كل من يخالفه في الرأي، وقد يصل انتقاد ابن تيمية في كثير من الأحيان إلى تكفير مخالفيه في الرأي، وفي ذلك يقول العلامة الدكتور محمد سعيد البوطي في كتابه «السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي» إن ابن تيمية «كان يكفر خصومه لأدنى المواقف الاجتهادية التي قد يخالفهم فيها»، ولعل الموقف المغالي في الخصومة مع من يختلف معهم في الرأي هو الذي ألب الكثيرين من العلماء على ابن تيمية، وجعل علماء أهل زمانه يحكمون عليه بالسجن مدى الحياة على خلفية فتواه بحرمة شد الرحال لزيارة قبور الصالحين. لم يقتصر وصف ابن تيمية بالحدة والاستعجال من قبل خصومه، بل حتى الشيخ الألباني– مع ثنائه الشديد على ابن تيمية- لاحظ هذه الصفة عنده، ففي كتابه «في سلسلة الأحاديث الصحيحة» يقول الألباني عند كلامه عن حديث الغدير «إنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعف الشطر الأول منه، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها».
مع أن الكثيرين يختلفون مع ابن تيمية في منهجه وفي آرائه، فإن أحداً لا يستطيع إنكار أنه يمثل رمزاً محترماً ومقدراً لشريحة واسعة من المسلمين، ولذا فإنه لا يصح الهجوم عليه حتى لو لم نقتنع بحرف واحد مما يقوله، لأن التهجم عليه يمثل استفزازاً لأتباعه ومحبيه، وهو ما ينتج عنه ردات فعل سلبية. الموقف من ابن تيمية يجب أن ينطبق أيضاً على جميع علماء المسلمين سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، فالرموز والمقدسات الإسلامية عند الطوائف والمذاهب كلها يجب ألا يتم التعرض لها من أي طرف، ويجب أن تظل بمنأى عن التراشق والمناكفات، لأن التعرض لها يمثل تعدياً واستفزازاً لمشاعر من يعتقد بهذه المقدسات أو بقيمة هؤلاء العلماء أيا كانت مشاربهم أو مذاهبهم، ومن البديهي ألا أحد يرضى بأن تمس رموزه أو مقدساته الدينية.أعتقد أن عدم مراعاة خصوصية وحساسية التعرض للمقدسات والرموز الدينية هو ما جرنا إلى ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين من تجريح طال ابن تيمية في إحدى الصحف، وما استتبعه من ردة فعل عنيفة طالت رموز ومقدسات الطرف الآخر في إحدى المجلات، وكلا الطرفين وقع في المحظور، وهو التعدي على مقدسات الطرف الآخر، التي يجب أن تكون خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه أو تخطيه، وإلا فتحنا باباً واسعاً للفتنة. إذا كان هناك من نقد فكري لآراء هذا العالم أو ذلك الفكر فإن ذلك يجب أن يكون بعيداً عن العامة، لأن التصعيد الإعلامي وإدخال العوام في مثل هذه الأمور يستحث العصبية الطائفية، وهو ما يؤذن بشر مستطير، نربأ بالجميع أن يكون عنصراً في إيقاظه من سباته. ما نقوله عن وجوب عدم التعرض لمقدسات ورموز كل الأديان والطوائف والمذاهب ليس كلاماً شاعرياً، ولا دبلوماسياً، ولا نريد أن نرضي به أحداً، بل هو مبدأ أثبتت الأيام والأحداث والصراعات الطائفية قديماً وحديثاً أن تجاوزه سيدخلنا في مستنقع الأحقاد والعداوات، التي قد تؤدي لا سمح الله إلى فتن لا تبقي ولا تذر، وهو ما لا يتحمله مجتمعنا الصغير. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء