نخب فاسدة و عوام هالكة

نشر في 09-12-2009
آخر تحديث 09-12-2009 | 00:00
 سعد العجمي لا أدري إلى ماذا أفضت جلسة الأمس، أو ما السيناريوهات التي خرجت بها، لكن ما أتمناه أن تكون الحكومة قد أوفت بوعودها وواجهت، وأن الأمة قد مكّنت من معرفة الحقيقة كاملة عبر جلسة علنية قارع فيها المستجوبون مستجوبيهم الحجة بالحجة أمام الملأ لينتهي بذلك السجال الذي دار خلال الفترة الماضية، والذي كشف الكثير من المتغيرات التي طرأت على «غول» الفساد السياسي والإعلامي المستشري في البلاد.

في السابق كان الفساد يقتصر على فئة هامشية، غير مثقفة، وغير مؤثرة في الحراك السياسي، لا تستطيع توجيه الرأي العام، فكل ما تستطيع تلك الفئة فعله هو مجرد «رفع اليد» في قاعة «عبدالله السالم» عند التصويت وقت ما تحتاجها الحكومة، ثم تنصرف بعد ذلك إلى متابعة أمور ناخبيها وإنجاز معاملاتهم في مؤسسات ووزارات الدولة، وغاية مطالبها هناك رئاسة قسم، أو مدير إدارة، أو إعفاء من دوام لهذا الناخب أو ذاك.

اليوم أخذ الفساد وجها آخر في كمه وكيفيته، بعد أن طال النخب ذات التأثير السياسي والإعلامي، التي إن لم تكن قد انغمست في الفساد فعلياً، فإنها على الأقل تراجعت عن القيام بأدوارها الوطنية في محاربته، وبالتالي أصبحت شريكة فيه بشكل أو بآخر.

شخوص سياسية تبدلت مواقفها، وحتى إن ساقت مبرراتها فهي غير مقنعة وليست منطقية، رموز إعلامية بعضها حاليا يشغل مناصب رؤساء تحرير صحف، باتوا ملكيين أكثر من الملك، فانقلبوا على قناعاتهم وارتدوا عن مبادئهم، فانكشفت «عوراتهم» الفكرية، حتى أننا بتنا نشفق عليهم وعلى تاريخهم عندما نستمع لأطروحاتهم الانقلابية.

ولأن الأمثلة تضرب ولا تقاس، فإنني سأستشهد هنا بموقف نائبين لا أقول إنهما من صنف الفاسدين سياسياً، لكنهما من نوعية من انقلب على قناعاته لسبب أو لآخر، كلنا نتذكر استجواب وزير النفط السابق الشيخ علي الجراح الذي لم يسرق ولم يرشِ لكنه صرح تصريحاً صحافياً استوجب المساءلة السياسية من قبل ثلاثة من النواب، بينهم النائبان عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي، ترى ما موقف الفاضلين من استجوابي رئيس الحكومة ووزير الداخلية وهما الاستجوابان المثار فيهما تعديات على المال العام؟! هل هناك وجه مقارنة بين تصريح صحافي والتجاوزات المالية التي ثبتت في استجواب وزير الداخلية، وتكاد تثبت في استجواب رئيس الحكومة؟!

على أي حال فإن خطورة «اللوك» الجديد للفساد في الحالة الكويتية تكمن في أنه طال حتى مؤسسات المجتمع المدني أيضا، وهي من باتت تتناسل و«تفرخ» أكثر من الأرانب حتى أصبح عددها يفوق أعداد منتسبيها، إلا القلة القليلة التي مازالت محصنة.

إن الحديث عن الفساد السياسي والإعلامي ليس بالأمر الجديد على الحياة الديمقراطية في الكويت، إلا أن الجديد فيه في هذه الفترة أنه تغلغل إلى الأوساط المؤثرة التي تستطيع التأثير في الرأي العام وتحريك الشارع، وهذا النوع من الفساد يكون خطره أعظم وشره أعم على المجتمع، فإن فسدت النخب، هلكت العوام.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top