أسبوع خالٍ من السياسة


نشر في 23-09-2009
آخر تحديث 23-09-2009 | 00:01
 أحمد عيسى كان أسبوعاً ممتعاً ذلك الذي ينقضي اليوم، فساعة نشر هذا المقال أكون نفذت وعداً قطعته على نفسي بأن أهجر السياسة والكويت طوال عطلة العيد.

الحياة بعيداً عن السياسة أكثر مدعاة للعيش، فالمشهد يتسع برحابة للأمل والحب والجمال، ويستحق أن يكتب عنه، فالتاريخ البشري زاخر بسيّر العشاق وروايات الغزل وأبيات الشعر الممتعة، كما أن للأكل صنعة لها ناسها وعالمها الخاص، ومقادير طبق تدعوك أحياناً لتأمل حالة تمازج مقاديره.

الإنسانية حالة جميلة، يزيدها روعة تأمل الآخر واحترامه وتقديره، شعوب مختلفة وحضارات متنوعة، ترسم بألوانها ملامح عالمنا، ونحن جزء منه، حكايات العصاميين ممن بنوا حيواتهم بصمت وبعيداً عن الأضواء جديرة باستلهام العبر، والتفاؤل بأن غداً حتماً سيكون أفضل من اليوم، لأن التحدي يولد على ضفاف المدى.

أقدارنا طرق تلتقي وتبتعد كجداول تنفصل بعيدة عن نهرها، نقف في محطاتها، نستقبل القادمين ونودع الراحلين، وعلى ضفافها تكون الحياة، من الزاوية التي تقف فيها تكون نظرتك للأمور.

قبل قرابة الأربعة أعوام صحوت من النوم وشعرت برغبة حادة للتفاؤل دون سبب وجيه وقتها يدعوني الى ذلك، قررت بعد مضي يومين أو أكثر أن استبدل السواد باللون الأبيض، لا لشيء سوى أنني أريد تجربة هذه الحالة، فتغيرت منذ ذلك الوقت أشياء كثيرة، لا أنكر أنني اتشحت أياماً بالسواد بحكم العمل، فالصحافي السياسي «أكل عيشه» الانتقاد، رغبة منه بتعديل الواقع والتنبيه لما هو خطأ، لارتباط طبيعة هذه المهنة بالنظرة السوداوية كأسلوب تحليل منطقي، لكن تجربة هذا الأسبوع كانت ممتعة، وتستحق في أكثر من مرة أن تعاد، لأن مهنتنا تلزمنا بارتداء النظارات السود حتى يعيش غيرنا في النور.

بلادنا لا تشكل سوى المساحة التي تشغلها على ظهر هذا الكوكب، ومثلها قصصنا وهمومنا ورغبتنا، فمع ختم جواز السفر تغزونا بهدوء هموم أخرى، من سيجاورك على كرسي الطائرة؟ حجز غرفة الفندق، التاكسي من المطار إلى الفندق، فرق العملة، حاجز اللغة، معدل الإنفاق، موعد التسوق، موسم التخفيضات، المقارنة بين الأسعار، تفحص البضائع، تحضير حقيبة العودة، الوزن على حاجز شركة الطيران، موعد الإقلاع، جميعها أسئلة وتجارب تنتظر الوقت المناسب لتحدث أو يجاب عنها.

حينما أطفأت هاتفي النقال الأربعاء الماضي، وتركته معزولاً عن الحياة، اختفت معه رسائل الأخبار، وبالتبعية لم أقرأ الصحف أو أطالع ما يدور في المواقع الإلكترونية الإخبارية، وتغيرت الحالة النفسية، وشعرت بحجم الذنب الذي نقترفه يومياً بحق أنفسنا، لأنني تفرغت أو بالأحرى انتبهت لأمور أخرى أكثر أهمية في الحياة من اجترار الكآبة وجلد الذات.

نحن محرومون في الكويت من الحياة، وهو ما دفع 400 ألف مواطن إلى مغادرة الوطن، لأن التسييس قتل الجمال، والسياسة أثرت في نظرتنا للحياة نفسها، فعيشوا وارتاحوا في الإجازات، لأنها أتت لتدفعنا لسبر أغوار هذه الدنيا والاستمتاع فيها، أما الباقي فسيأتي وقته ويقتحمنا، ونتأثر به، و»كل شي بوقته حلو»، لكننا تعودنا على أن نعاكسه.

back to top