ينتظر الكثير من العرب والمسلمين أن يقدم أوباما أفعالاً لا مجرد أقوال بعد إلقائه خطابه التصالحي للعالم الإسلامي، وهو أمر غير مستغرب من شعوب اتكالية تنقاد ولا تقود، فهي شعوب اتصفت بالظاهرة الصوتية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، متناسين أن مبادرة أوباما هي عملية تتطلب تضافر الجهود وشراكة وتعاون بين الجانبين عوضاً عن الانغلاق النرجسي ومطالبة الآخرين بالاعتذار لنا على «خيباتنا»، ومتجاهلين أننا في الواقع ضحية أنفسنا، وأن فشلنا في بناء مشروع حضاري والتركة الثقيلة للاستبداد والعنف والفساد والتخلف وحالة العجز والانحطاط التي وصلنا اليها هي من صنع أيدينا لا من صنع غيرنا.

Ad

فلننتقد ذاتنا أولاً ولنعتذر لأنفسنا ثانياً ولنقم بواجبنا الحضاري والإنساني في البناء والإعمار ثالثاً بدلاً من أن نجلس مكتوفي الأيدي بانتظار ما سيفعله أوباما من أجل نهضتنا. وقد يأتي هذا الأوباما وقد لا يأتي في حال ملَّ وزهد من كسلنا واتكاليتنا. وسنظل نحن نردد ما تغنت به أم كلثوم «أنا في انتظارك خليت ناري في ضلوعي وحطيت إيدي على خدي وعديت بالثانية غيابك ولا جيت».

إن خطوة أوباما يجب أن يقابلها خطوات أخرى من جانبنا... فهو وحده لن يستطيع أن يصل إلى الأهداف المرجوة. وعلى الرغم من عدم سهولة تحقيق ما جاء في مبادرة أوباما، فإنه مخلص وصادق في وعده، فهو يرهن نجاحه كرئيس بنجاحه في عملية السلام... وما عمله الدؤوب منذ اليوم الأول لتنصيبه من أجل تحقيق وعوده، بدءاً من التعهد بإنجاز انسحاب جميع القوات من العراق بحلول عام 2012، إلى إغلاق معتقل غوانتنامو، إلى السعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلا دليل على أنه لم يتبن خطاباً شعاراتيًا، بل كان خطابه متزناً موضوعياً في انتقاده لأميركا والعالم العربي والإسلامي وإسرائيل على حد السواء. وبالرغم من واقعية طرحه واحترافه لفن الممكن فإنه في الوقت نفسه لامس بكلماته قلوب الناس وعقولها وهو ذكاء عاطفي قل نظيره... وهذا في رأيي ما أثار اعجاب الكثير من الجماهير العريضة التي تابعت خطابه غير المسبوق.

لقد كان الخطاب موجها للمسلمين المعتدلين الذين آثروا الصمت ردحا من الزمن، بسبب اختطاف القوى الأصولية للخطاب الديني الذي نشر الفتاوى التكفيرية وهدر الدماء وأشاع الرعب والخوف في المجتمعات.. أتى الخطاب في محاولة لقشع هذا الخوف من قلوب الأغلبية الصامتة..أتى ليستنهض هممهم في بناء جسور الشراكة والتعاون لبناء مستقبل أفضل.. ليذكرهم بتاريخ التسامح في الأندلس وقرطبة. لذا كان لب رسالة أوباما الدعوة للبحث عن القواسم المشتركة محذرا من أننا «ما لم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الاختلاف فيما بيننا فإننا سنساهم في تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذي من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيق الازدهار. هذه هي دائرة الارتياب والشقاق التي يجب علينا إنهاءها.»

ولا أمل لنا اليوم في التطور والتقدم ما لم ننجح في أن نكون شركاء مع الآخرين، وأن نوائم بين المصالح المشتركة والقيم الانسانية في صنع مصيرنا ومصير العالم الذي يجمعنا. فهاهو أوباما يعلن استعداد الأميركيين للعمل مع «المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا في مساعيهم الرامية لتحقيق حياة أفضل»... وها هو يقدم مبادرات وحلولاً تنموية كثيرة في الدول الإسلامية... ها هو يقدم لنا شمعة فهل نضيئها أم نطفئها؟