ما قل ودل: الاستجواب... وتنقيح فعلي للدستور
في أوروبا وفي الدول المتقدمة بوجه عام، التي تقوم أنظمتها الديمقراطية على أساس التعددية السياسية ووجود أحزاب، تؤلف أحزاب يكون غرضها الوحيد هو حماية البيئة والنضال لإقرار القوانين وتعديلها بما يحافظ على البيئة، وهي في سبيل ذلك تسعى للوصول إلى الحكم، ولها ممثلون في برلمانات دولها. وفي هذا السياق ينحو الاستجواب المقدم إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، هذا المنحى في الدفاع عن البيئة وحمايتها، أمام تزايد عدد المصانع في منطقة الشعيبة الصناعية الغربية التي هي أحد مصادر التلوث البيئي لضاحية علي صباح السالم (أم الهيمان سابقاً)، الذي ارتفع في ظل عدم تطبيق القوانين وعدم التزام العديد منها باشتراطات المردود البيئي، وأن بعضها يعمل من دون ترخيص.
ولئن كان الاستجواب حقاً دستورياً، إلا أن ما يستوقفنا في هذا الاستجواب هو حرص مقدمه على تقديمه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، بالرغم من أن القوانين التي نعى الاستجواب بعدم تطبيقها، هي قوانين يقع عدم تطبيقها- إن صح ذلك- على وزراء يحملون حقائب وزارية، تمارس إشرافاً على تطبيق هذه القوانين. ومن هذه القوانين القانون رقم 21 لسنة 1995 بإنشاء الهيئة العامة للبيئة، والذي أنشأ مجلساً أعلى للهيئة يختص بوضع الأهداف والسياسات العامة للهيئة ولائحتها الداخلية وممارسة الاختصاصات التي نص عليها القانون، وهو مجلس يرأسه أحد الوزراء، ولا يترأسه رئيس مجلس الوزراء، وقد خول القانون المجلس الأعلى تشكيل مجلس إدارة الهيئة. كما أن إلحاق الهيئة العامة للبيئة بمجلس الوزراء، لا يعني بالضرورة أن يكون رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول سياسياً عنها، في وجود أحد الوزراء رئيساً للمجلس الأعلى للهيئة، وفي وجود وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء. ومنها كذلك القانون رقم 56 لسنة 1996 بإصدار قانون الصناعة والذي أنشأ الهيئة العامة للصناعة التي يشرف عليها وزير التجارة والصناعة، وهو الذي يترأس مجلس إدارتها. وأجزم أن سمو رئيس مجلس الوزراء لن يدفع مسؤوليته السياسية، باختصاص وزراء آخرين عن الموضوعات دمحل الاستجواب، لأنه قادر على الرد على الاستجواب، وقادر على أن يتحمل المسؤولية السياسية عن أي من وزرائه. ولكن الأمر لا يتعلق بقدرة رئيس مجلس الوزراء أو حرصه على الدفاع عن وزرائه، بل يتعلق بنصوص ومبادئ دستورية، لا يجوز إهمالها وهي: 1- أن رئيس مجلس الوزراء [وفقاً لنص المادة 102 من الدستور- لا يتولى أي وزارة- وهو أمر، كما تقول المذكرة التفسيرية للدستور، له أهميته من ناحية سير العمل الحكومي، وبمراعاة ضخامة أعباء رياسة الوزارة في التوجيه العام للحكم، والتنسيق بين الوزارات واتجاهاتها، وتحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة، مما يضاعف أسباب الحرص على الصالح العام والتزام هذه الوزارات للحدود الدستورية والقانونية المقررة].2- أن هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة، وسلطته في رسم السياسة العامة للحكومة ومتابعة تنفيذها والإشراف على سير العمل في الإدارات الحكومية، إعمالاً للمادة 123 من الدستور، لا يعني حلول مجلس الوزراء أو رئيس المجلس محل الوزراء في مباشرة مهام مناصبهم في الإشراف على شؤون وزاراتهم والقيام بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، وفي رسمه لاتجاهات الوزارة والإشراف على تنفيذها إعمالاً للمادة 131 من الدستور، ولا يعني أن يتحمل رئيس مجلس الوزراء المساءلة السياسية عن كل وزير إذا قصر في واجبات وظيفته. 3- أن مسؤولية الوزير أمام مجلس الأمة مسؤولية فردية وليست مسؤولية تضامنية، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فوراً، مع بقاء الحكومة وبقاء سائر الوزراء في مناصبهم، ما لم يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته. 4- أن مسؤولية رئيس مجلس الوزراء، أمام مجلس الأمة، هي مسؤولية تضامنية، لأنه إذا رأى صاحب السمو الأمير أن يعفي رئيس مجلس الوزراء من منصبه، بعد صدور قرار من مجلس الأمة بعدم إمكان التعاون معه، فإن سائر الوزراء يعتبرون معتزلين لمناصبهم الوزارية معه. 5- أن توجيه الاستجواب إلى رئيس مجلس الوزراء، إذا كان يمكن توجيهه إلى أي من الوزراء، له خطره وأثره على استقرار الحكم، لأنه يعرض الوزارة كلها إلى الاستقالة أو إلى إعفاء الأمير لرئيس الوزراء وبالتالي للوزراء، كما قد يعرض المجلس ذاته للحل ويعرض أعضاءه لخوض معركة انتخابية مريرة حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور. ولا أكتم خشيتي من أن تؤدي الاستجوابات الموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء إلى تنقيحٍ فعلي للدستور، بتعديل المسؤولية الفردية للوزراء أمام مجلس الأمة إلى مسؤولية تضامنية، يطرح فيها عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بديلاً عن طرح الثقة بالوزير المسؤول، وهو أمرً يهدد استقرار الحكم. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة