* من شارع الاستقلال وصولا إلى ميدان «تقسيم» تتالت الهبات الجماهيرية التركية دفاعا عن شهداء «أسطول الحرية» ثم سرعان ما تحولت إلى أشبه بالانتفاضة الشعبية الممتدة حتى منطقة «ليفينت»، حيث تقع القنصلية الإسرائيلية التي تمت محاصرتها بحزام اعتصام شعبي عريض، وذلك ليس دفاعا عن الدماء التركية الزكية النازفة فوق مياه المتوسط فقط، بل عن كرامة حكم «الآستانة» الجديد الذي يتزعمه الثنائي المحبوب رئيس الوزراء الطيب أردوغان ووزير خارجيته ومنظر حزبه أحمد أوغلو.

Ad

كل شيء في إسطنبول يذكرك بأيام احتلال الطلبة الإيرانيين للسفارة الأميركية في طهران بداية ثمانينيات القرن الماضي, اللهم سوى أن ما حصل في طهران في حينها كان بمنزلة هبة جماهيرية تلت أحداث الثورة التي قطعت علاقاتها مع تل أبيب واستبدلتها بسفارة فلسطين, فيما يقرر الخبراء الأتراك هنا بأن الحالة التركية الحالية ليست سوى هبة جماهيرية تركية بركانية، قد تفضي إلى قطع علاقات أنقرة مع الكيان الإسرائيلي، بعدما تحول إلى أحد الأعداء الرئيسيين للأمة التركية الصاعدة، إن لم يكن العدو الرئيسي, وإن لم يحصل ذلك فإن احتمالات حدوث ثورة إسلامية يبق احتمالا يلوح، ولو، في الأفق الأبعد!

هذه المقارنة ليست من عندياتنا,بقدر ما هي خلاصة عشرات التحليلات والتقارير الشفوية والتحريرية التي أدلى بها أو دونها محللون أتراك على امتداد الأيام التي تلت المجزرة وجريمة إرهاب الدولة التي ارتكبها القراصنة الإسرائيليون بحق ركاب سفينة مرمرة التركية بالذات!

ثمة من قال بالحرف الواحد إن الإسرائيليين قد ارتكبوا جريمتهم هذه عن سابق قصد وإصرار ضد الأتر اك بالذات لإيصال رسالة واضحة لأردوغان وحزبه بأنه قد تخطى الحدود في تقاربه مع إيران وسورية إلى درجة التماهي مع سياسات أحمدي نجاد, بل إن ثمة من وضع الهجوم الصاروخي لحزب العمال الكردي المعارض على القاعدة البحرية للجيش التركي في الإسكندرونة، والذي سبق مجزرة المتوسط بثلاث ساعات فقط، في سياق تواطؤ إسرائيلي-أميركي الهدف منه إيصال رسالة تحذيرية إلى القيادة التركية بخصوص سياساتها الشرق أوسطية الجديدة بخصوص إيران كما بخصوص فلسطين!

وعليه فإن ثمة من يلحظ سباقا ماراثونيا بين جماهير حزب العدالة والتنمية التي تزداد ثورة على الكيان الصهيوني وعلى الأميركيين كلما تكشفت أبعاد جديدة من جريمة أسطول الحرية، وبين قيادة الحزب التي لا تبحث فقط عن ضرورة التماهي مع مشاعر جماهيرها المتأججة حفاظا على شعبيتها التي بدأ يأكل منها حزب السعادة الإسلامي الأكثر «أصولية»، بل عن الدور الذي رسمه قادة «الآستانة» الجديدة الممثلون بقيادة هذا الحزب الإسلامي المعتدل لأنفسهم لكنه الصلب والقوي والشجاع في الوقت نفسه.

هي إذن معركة على الدور التركي وعلى الطرق والممرات البحرية كذلك، ولا يمكننا أن ننسى هنا ذلك الاتفاق السري الخطير بين كونداليزا رايس والقاتلة المحترفة تسيفي ليفني حول طرق السيطرة على المنافذ البحرية والمضائق من هرمز إلى باب المندب إلى قناة السويس، بحجة منع تهريب السلاح إلى المقاومين في غزة المحاصرة، وها هم اليوم يضيفون إليه السيطرة على مياه المتوسط، الأمر الذي يعني فيما يعني تشديد الخناق على الدور التركي أيضا ومحاصرته في بحر مرمرة!

صحيح أن القضية هي فك الحصار عن غزة، لكن هذه هي رؤيتنا نحن ومعنا أحرار العالم الذين بادروا وسيستمرون في المبادرة باتجاه المزيد من أساطيل الحرية نحو غزة.

لكنها السنن الكونية هي هي لم تتغير، وإن تغيرت أشكالها، إذ إن العدو هنا أيضا يخطئ في حساباته تماما كما أخطأ الحساب على اليابسة، فكلما فتح ساحة جديدة ضد قضيتنا المقدسة جعل دائرة المناصرين لنا تكبر وتتسع عالميا، فيما يبدو أن دائرة خصومه إن لم نقل أعدائه تكبر أكثر فأكثر!

فها هو قد بدأ بخسران تركيا كحصيلة أولية بعد أن حول مياه المتوسط من الأبيض إلى الأحمر القاني، ما يعني أن مجازفة البحر هذه المرة قد تتحول إلى طوفان من أساطيل الحرية التي تجعله بدماء أحرار العالم هو المحاصر أكثر مما تكون غزة هي المحاصرة!

إنها فلسطين التي تدور مع كل من يدور حولها وتربح كل من يطلب ودها.

وزلزال تركيا الذي بدأ بانتفاضة شارع استقلال وميدان تقسيم في إسطنبول، لن يكون أقل خطرا على الكيان الصهيوني من زلزال إيران، والقادم من الأيام سيكون هو المحك والمعيار!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني