ثمة معركة سياسية-ثقافية داخلية غدت مفتوحة على مصاريعها منذ أن ظهرمحمود أحمدي نجاد على مسرح السياسة الإيرانية حتى الآن، وهي مرشحة أن تستمر إلى حين، عنوانها الرئيسي «تواصل الأجيال أم انقطاعها» بدأت بالثورة على المفهوم التقليدي لمعركة انتخابات الرئاسة، وهي مستمرة اليوم بتمظهرات جديدة ليس أقلها معركة السيطرة على الجامعات وتأميمها وأسلمتها.

Ad

من نصبوا أنفسهم قادة لما بات يعرف بالحركة الخضراء يخسرون آخر معاركهم السياسية المباشرة، ألا وهي موقع الزعامة على «الجامعة الحرة»، بعد أن كانوا قد حولوها إلى مركز قيادة عمليات «شيطنة» الرئيس أحمدي نجاد في مقدمة لإسقاطه، وبالتالي الانقضاض على مراكز السلطة الواحد بعد الآخر كما كانوا يخططون.

لكن صبرا فإن الخاسر الأكبر في هذه المعركة التي ظلت مفتوحة على مدار السنة الأخيرة هو ذلك الرجل السبعيني الذي لطالما شغل الدنيا وملأ العالم باسمه وبتحركاته، إنه الشيخ الرئيس.

إنه الشيخ الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني، رفيق درب المرشد الأعلى لمدة ستين عاما، والركن الركين للحركة الإسلامية الإيرانية كما لثورتها المنتصرة كما للدولة العصرية التي ساهم في بنائها كما لم يساهم أحد مثله.

وهو صاحب حلم الدولة العصرية الإيرانية الشرقية التي كان يعتقد أن بلاده كانت تستحقها قبل اليابان لولا عثرات الدولة البهلوية ونزواتها التي لا تغتفر، كما يقول في كتابه الشهير الأمير الكبير.

للمرة الأولى ربما يقع الرجل ضحية حساباته غير الدقيقة، ودعونا نقترب من الحقيقة أكثر لنقول إنه يقع ضحية حسابات حاشيته وأسرته وأهله وحوارييه.

لم يكن ليصدق كلامنا له قبل أعوام عندما زرناه عشية اشتداد معركة الانتخابات البرلمانية الشهيرة في تسعينيات القرن الماضي، والتي خانه فيها أصحاب رايات الإصلاح والتغيير في أكثر اللحظات حراجة، حيث قلنا له وقتها إن من تلقوا رعايتك في هذه الجامعة بالذات والتي كنت أنت من مؤسسيها الأساسيين هم من ينقلبون عليك اليوم فاحذرهم.

وقتها لم يتورعوا عن تمزيق شخصيته إربا إربا، ولم يتركوا له شاردة أو واردة في حياته الشخصية إلا نشروها على حبال صحافتهم الحاقدة باسم الإصلاح والتغيير، إلى أن جاء من كبارهم من أراد إظهار إنصافه، ولو مجاملة، ليقول عنه إنه «هوية الثورة» التي نعتز بها أيما اعتزاز، ولكن بعد فوات الأوان. لكن هؤلاء أنفسهم هم من استخدم اسمه مرة أخرى يوم «الفتنة الكبرى» التي أعقبت انتخابات الرئاسة الأخيرة، واختبأ خلف اسمه ورايته وتدثر بعباءته ظنا منه أنه سيمكن «للثورة الخضراء» من اجتياز امتحان الخطوط الحمر، ليطيح بمشروع الحكومة الإسلامية لمصلحة مشروع «الجمهورية الإيرانية» وإيران أولا.

لم يكن يوما يود أن يرى إيران مقسومة على نفسها أو متنازعا عليها بين أبنائها، كما أنه لم يكن يوما يود أن يرى نفسه على مفترق طرق بينه وبين رفيق دربه، لكنهم خدعوه ثم غلبوه هذه المرة عندما وضعوا أجندتهم فوق أجندته بطريقة الحرب الناعمة.

لقد حولوا الجامعة الحرة التي هي أشبه بأحد أولاده إلى خندق من خنادق الاستقطاب والمواجهة، ما جعله يخسرها كما يكاد يخسر ولده الذي هو من لحمه ودمه المقيم في لندن منذ عدة شهور على خلفية هذه المصادرة غير المحسوبة والفاضحة للجامعة الحرة لحساب فريق دون آخر.

عندما يتحدث الرجل اليوم عن نيته للتقاعد منذ مدة إنما يعبر عن مرارة حقيقية عاشها طوال الأعوام السابقة، وهي اليوم في أوجها سببها المباشر، بنظرنا، القريب من حلفائه وحوارييه قبل أن تأتي إليه من البعيد من خصومه السياسيين.

إنها الثورة الشبابية التي يطير على جناحيها اليوم الرئيس الشاب أحمدي نجاد، والتي لطالما نبهناه إلى قدومها يوما، بينما كان أولئك الحلفاء الانتهازيون والحواريون الأنانيون يطمئنونه باستحالة قدومها.

إن إيران الداخل «المشاغبة» أو الثائرة أو المتمردة على جيل الرعيل الأول من الثوار يمينيين كانوا أم يساريين, محافظين كان اسمهم أم إصلاحيين، إنما تمثل طموحات الجيلين الثالث والرابع للثورة ممن يبحثون عن طريق ثالث لتجديد النهضة الخمينية الإصلاحية أصلا.

وهؤلاء الثوار والفدائيون الجدد قد وجدوا ضالتهم اليوم في الإمام المجدد آية الله السيد علي خامنئي, وبالتالي لم يعد من الآن فصاعدا لأي كان أن يجد له مكانا في معارك البناء الداخلي، ولا في معارك التحدي الخارجي, ما لم يحدد موقفه الصريح من القيادة الجديدة من جهة، وموقعه في الاصطفافات التي خلقتها حكومة أحمدي نجاد الراكبة على جناحي القيامتين الدينية والقومية الجديدتين من جهة أخرى.

لقد سقطت تلك المعادلة القديمة التي كانت تقول «حيثما يجلس الشيخ الرئيس يكون الموقع الأهم لصناعة القرار» والتي غالبا ما كانت تصف حالة الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني.

لقد تم استبدالها بمعادلة هي من صنع ثورة شباب الجيلين الثالث والرابع للثورة، والتي مفادها «بقدر ما أنت متمرد على رموز الثورة المترهلين بقدر ما أنت موجود في معادلة صنع القرار».

وهنا ينبغي على الشيخ الرئيس أن يقرر البقاء حيث كان، أو الالتحاق بجيل صناع القرار الجديد، ولا مجال هنا لرغبة الاستقالة أو التقاعد، فالثورة لا تعرف التقاعد ولا الاستقالة وهي أغلى وأهم وأثمن وأكبر من العائلة الصغيرة، حواريين كانوا أو حاشية أو أهلا أو حزبا.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني