ربما كان عبدالله السالم من النوع الحالم، ولعله لم يكن يتصور أن يأتي إليه الحكم يوماً ما، فـ 29 عاماً في الانتظار هي زمن طويل. وعندما تولى الحكم، كان أكثر زهداً فيه مما ينبغي، وحتماً ساعد ذلك في مرونته، وانفتاحه، يضاف إلى ذلك سعة أفقه، وثقافته، واحتكاكه بتجارب الشعوب الأخرى في الحكم، من خلال سفره المتواصل، ومكوثه مدداً طويلة في الخارج. وكما أشرنا، فلو أصبح عبدالله السالم حاكماً سنة 1921، وكان حينئذٍ يبلغ من العمر 29 عاماً، لكان على الأرجح شخصاً مختلفاً عن الشيخ عبدالله السالم الذي حكم مضافاً إلى عمره 29 عاماً في سنة 1950. من يدري؟ وعلى أية حال لعبة التاريخ بطريقة ماذا لو، ماذا كان سيحدث لو كان كذا، هي لعبة غير مجدية، إلا في فتح الباب للتساؤلات والتأمل.

Ad

المفاجأة التي لم يتوقعها عبدالله السالم في بداية حكمه كانت اصطدامه بالإنكليز. ففي ذلك الحين كانت الكويت ترتبط باتفاقية حماية مع بريطانيا العظمى، والتي كانت عظمتها تترنح حينذاك، وهي وإن كانت لا تتدخل مباشرة بالشأن الداخلي الكويتي، فإنها تؤثر بدرجات متباينة في مسارات السياسة. ولكن لماذا لم يكن عبدالله السالم أثيراً ومحبوبا لدى حكومة صاحب الجلالة؟ ولماذا تأخر الاعتراف البريطاني به حتى 25 فبراير؟

كان واضحاً أن هناك موقفاً عدائياً، أو فلنقل «غير ودي»، قد تشكل في الذهنية الإنكليزية تجاه عبدالله السالم منذ أواخر الثلاثينيات. كان ذلك الموقف يرتكز في مجمله على أن عبدالله السالم معادٍ للنفوذ البريطاني، وأنه موالٍ للنازيين. ويستند ذلك الموقف البريطاني إلى أن لعبدالله السالم علاقة وثيقة مع ناشطين كويتيين إبان الثلاثينيات، صنّفتهم الاستخبارات البريطانية على أنّهم من مؤيدي النازية، ولذا فقد وُضِع في ذات الخانة، وتفاقم ذلك الأمر أثناء معركة المجلس التشريعي 1938 و1939.

أظن أن عبدالله السالم فوجئ بشروط بريطانية للاعتراف به أميراً على البلاد. وتلخصت الشروط بثلاثة أمور: الشرط الأول كان تعيين ولي للعهد، أما الشرط الثاني فكان تعيين مستشارين إنكليز في أجهزته الحكومية، والشرط الثالث كان إبعاد السكرتير الخاص للأمير عزت جعفر، رحمه الله، عن «القصر». الشروط التي نقلها السيد بوروز، كانت مزعجة لعبدالله السالم. فالأسرة الحاكمة لم تكن معتادة على تعيين أو تسمية ولي للعهد، ولم يكن عبدالله السالم في وارد قبول ذلك الشرط، أما إبعاد السكرتير الخاص فقد اعتبره أمراً مبالغاً فيه، ومن غير المنطقي قبوله، فلم يناقش الشرطين بأي صورة من الصور. أما الشرط الثالث فقد اشترط الشيخ على الإنكليز أن يعيّن خبراء لا مستشارين. فالفارق بينهما في ذهنية عبدالله السالم كبير. كانت تسمية مستشار بالنسبة له تستدعي تجربة المستشار البريطاني بلجريف لدى حكومة البحرين، الذي كان يتمتع بصلاحيات واسعة في شؤون الدولة. لذلك كان شرطه بأن يتم تعيين خبراء وليسوا مستشارين حسب حاجة حكومة الكويت، ويكون تعيينهم بعقد محدد المدة الزمنية، وتكون من صلاحيتها إنهاء خدمات ذلك الخبير حسب إرادتها.

يبدو أن تلك الفترة الحرجة من أيام عبدالله السالم الأولى، كانت أيام اختبار أعصاب. كان لافتاً أيضاً أن الرجل تصرف بهدوء واتزان، ورفض الشروط البريطانية بعقلانية. وكان لافتاً أيضاً أن برودة أعصابه قد تفوقت على برودة الأعصاب الإنكليزية المعروفة، الأمر الذي اضطرهم في نهاية الأمر الى الموافقة على الاعتراف به حاكماً على الكويت، ثم تحديد عيد جلوسه في 25 فبراير 1950، الذي أصبح لاحقاً هو العيد الوطني للكويت. ولعله أمر مستحق أن يكون عيد جلوس عبدالله السالم هو عيد وطني للكويت. إذاً، تجاوز عبدالله السالم المطب الاول، وفاجأ الجميع بمهارات تفاوضية متميزة، إلا أن المطبات والتحديات لم تنته فمازال طريقه وعراً.