نحن على اتفاقنا. مقالة الجمعة، كل جمعة، ستتمشى على البحر، تأكل الآيسكريم وتقهقه مع صويحباتها، مبللة الشعر، حافية القدمين، مشدودة النهدين، سيفها لا يرحم، ورمحها في القلوب يلحم. لا تمسها أعين الساسة ولا رغبات تجار النجاسة والنخاسة، متدفقة الدم، خالية من الهم والغم... بالإذن من أدباء الأندلس وسجعهم.

Ad

على أنني لم أُفاجأ بالرسائل التي تحذّرني من أن الحديث عن ذكرياتي مع النساء والسفر والسهر وما شابه هو «مجاهرة بالمعصية»، وأن الاستعانة بعظمة اللغة القرآنية فيها استهانة بالقرآن الكريم. وكان الإمام الثعالبي، رحمه الله، أحد أكثر المستعينين بالقرآن في أحاديثه، وقد استحسن الاستعانة به شعراً ونثراً، وهو ما يؤكد تفوق لغة القرآن وثراءها. فهل يطاول أطفال الإسلام قامة الثعالبي؟

وكان الشاعر العبقري المجنون، ذو النكهة والطعم، الأعرابي السعودي ناصر الفراعنة متسابقاً في برنامج «شاعر المليون»، وكانت النمل في بيوتها، والنسور في قممها، والحيتان في قيعان محيطاتها، تعلم أن أحداً لن يفوز باللقب وناصر موجود، لكنه ارتكب خطيئة لا تغتفر عندما نظمَ رائعته الخالدة «دثريني يا منيرة زمليني يا منيرة»، فصفق له محبو الشعر إعجاباً ووقفوا له انبهاراً والتصقت حواجبهم في منبت شعر رؤوسهم، بينما اكفهرّ أطفال الإسلام، واعتبروا كلمتي «دثريني» و»زمليني» تعدياً على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته خديجة رضي الله عنها، واعتبروا تشبيهه أصابع محبوبته بـ»قناني خمر ساقي» تلفّظاً بما لا يجوز، ومدحاً لما حرّم الله، وعنّفوه عندما ذكر أن مرور محبوبته يُفقد المصلي خشوعه، ثم جاء من بعيد أحد أطفال الإسلام واتهم ناصر بالتطاول على الله سبحانه في شطر «ما كأنّ الله مثل باقي مخاليقه خلقها». وخسر ناصر اللقب لأسباب، أهمها أطفال الإسلام.

كفّروا ناصر الفراعنة في الخليج، ووصف أقرانهم المصريون عمّ الساخرين وأستاذهم محمود السعدني، شفاه الله، بالزندقة لأنه روى حادثة ذكر فيها أنه كان في الحانة يتبادل الأقداح مع سمراء إفريقية، وكفّروا هذا واتهموا ذاك وعنّفوا هذه وشنعوا ذيّاك، فانتشر رماد الكآبة في الأجواء وعاقَ رحلات الطيران، يخسي*رماد بركان أيسلندا. على أن أهلنا في السعودية تخلصوا من التزمت، وهم على وشك الشفاء الكامل منه قريباً، فانتقل إلينا، لا حيّاه الله ولا بيّاه. أقول هذا وأنا أتابع ردود أفعال وتعليقات السعوديين والكويتيين على مقالاتي وأقارن.

ولولا خشيتي من إغضاب أطفال الإسلام لكتبت عن صاحبي نقي القلب، الذي كان معي في رحلة إلى دبي، ومعنا ثالث كركار، عندما جلست شابّتان خليجيتان في الطاولة القريبة منا في بهو الفندق، إحداهما يبدو أنها تقضي أوقات فراغها في غرف عمليات التجميل والمط والشفط، ولا حول ولا قوة إلا بمولانا.

قلت مخاطباً صاحبيّ: «اسمها عبد الغفار، من يراهن؟»، فقال النقي بطهارة: «تكسر الخاطر، يا حرام»، فرقص شيطاني الرجيم وقلت: «لماذا لا نبتسم في وجهها كي نجبر بخاطرها؟ هي لم تدفع كل هذه الأموال إلا بحثاً عن الثناء والإطراء»، فراقَ له اقتراحي، وابتسمَ في وجهها، فجازت إحسانه بإحسان، وفشخت شدقيها عن ابتسامة، يا رب لطفك، فارتبك صاحبنا وراح يشتمني: «الله يلعنك أنت واقتراحاتك»، فاقترحتُ عليه أن يهرب وينفذ بجلده، فلم يكذّب خبراً، وفرّ فرار الحمر المستنفرة، فنهضتُ إليها: «صباح الخير، رقم غرفته كذا وكذا، وهو خجول، سيتمنّع في البدء لكنه تمنّع الراغبين، وفقكما الله»، فبلعت ريقها غير مصدقة، وراحت تردد رقم غرفته. وغادرتُ وصاحبي الكركار المكان بعد أن رجوتها ألا تخبره كيف حصلَت على الرقم.

وخلال دقائق، هاتفني صاحبنا النقي بصوت مدهوش مربوش: «عبدالغفار استطاعت الحصول على رقم غرفتي، والله العظيم، تخيّل»، فعلّقت بصوت مغشوش: «كيدهن عظيم»، قال مستغيثاً: «والحل؟»، قلت مغيثاً: «اجبر بخاطرها»، فصرخ: «جبّروا يديك ورجليك، قل آمين»...

وفي الكويت، بعد شهور من الحادثة تلك، ابتسمَت لنا عاملة المطعم الآسيوية ابتسامة الجراسين وهي تسألنا عن طلباتنا، فعبَس صاحبي النقي في وجهها وخاطبها بحدة، فعاتبتُه، فبرّر: «هذا نفس الجحر الذي لُدغت منه في دبي، وأنا مؤمن».

*يخسأ، وبالمصرية «فشر».