أعتقد جازماً بأن الكلام الهادئ هو الكلام الوحيد الذي يجب أن يقال في العلاقات العراقية – الكويتية. فنحن نعيش في عالم متغير ونخضع مثلنا مثل دول وشعوب أخرى لتأثير تبدل الظروف والمعطيات. وبعد نحو عقدين من تحرير بلدنا وتراكم خبراتنا في ملفنا مع العراق وتفاصيله لا مفر من رويَّة تنتج رؤية تضمن حقوقنا وتؤمن سلاماً دائماً مع بلد شقيق نُكب بديكتاتور مجرم أدخله وأدخلنا في نفق سنصل إلى الضوء في نهايته انشاء الله.
لن أدخل اليوم في تفاصيل أمورنا العالقة مع العراق، وهي في عهدة رجال ثقة ودبلوماسيين أكفياء، إنما أريد الاضاءة على دور البرلمانيين وحدوده وجدواه والأضرار التي قد تنجم عنه إن خرج عن الاطار المنطقي وعن الواقعية المطلوبة وكان هاجسه أصوات الناخبين.كنت رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة 11 عاما وأعلم علم اليقين أن الأضرار التي تحصل في السياسة الخارجية أشد خطورة من تلك التي يتسبب بها التنازع المحلي الداخلي، لأن سبل حلها أعقد بكثير وتتناول قضايا حساسة وخطرة تخرج أحياناً كثيرة عن المستوى الثنائي لتتداخل فيها تأثيرات اقليمية ودولية نعلم أين تبدأ ولا ندري أين تنتهي.إنني أرى أن التعاطي بالعلاقات بين الكويت والعراق يجب أن يتم عن طريق الحكومات فقط، والأمر ينطبق على النواب الكويتيين مثلما ينطبق على نظرائهم العراقيين. ولا يعني ذلك انتقاصاً من حق ممثلي الشعبين في ابداء الرأي في الشأن الخارجي، بل هو من صلب الأصول البرلمانية وانتظام المؤسسات الذي يمنع تداخل السلطات. فهذا النوع من المسائل هو دائما من اختصاص الحكومات. أما البرلمان فله الكلمة الفصل في النهاية عند توقيع اتفاقات أو تحديد استراتيجيات بالتشاور مع الحكومة وبعدما يكون البرلمانيون قد حصلوا على معلومات وافية عن سير الاتصالات وشكلوا أفكارهم استنادا إلى معطيات ووقائع.مؤسف ان ما يحصل هذه الأيام في البلدين هو نوع من المزايدات الشعبوية المستندة إلى إشاعات وليس إلى معلومات، والمنطلقة من أهواء شخصية أو حزبية أو فئوية وليس من مصلحة عليا سواء للعراق أو الكويت. فهنا وهناك تتعالى أصوات برلمانية لا معرفة لديها بتفاصيل الاتصالات الجارية بين البلدين ولا خبرة عندها في الشأن الخارجي الدبلوماسي ولا من اختصاصها الخوض في مواضيع هي من شأن الخبراء، فتوتِّر الأجواء وتحبط المساعي التي تكون قد أحرزت تقدماً في كثير من الأحيان، وترجع بالعلاقات إلى مستويات دنيا وتخرب جهوداً كبيرة بذلت للسير بها إلى أمام.نعلم أن العراق يسعى إلى الخروج من القرار 833 الموضوع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. والكويت لا تمانع في ذلك شرط تطبيق القرار أولا. أما المواضيع العالقة المتعلقة خصوصاً بالتعويضات والعلامات التجارية والممر البحري فلن تكون مستعصية على الحل إذا وافق الجميع على الامتثال لرأي الأمم المتحدة.لكنني أقترح عدم حصول أي مناقشات مباشرة بين الحكومات أو عبر الأمم المتحدة في الوقت الحالي وحتى انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية بعد أربعة أشهر تفادياً لسوق المزايدات العاطفية والنفعية الراغبة في أصوات الناخبين البسطاء، ومنعاً لإيقاظ العصبيات البغيضة واستدراج ردود فعل مشابهة من برلمانيين كويتيين يتحينون الفرص ليظهروا أمام ناخبيهم بمظهر الحرصاء أكثر من الآخرين على مصلحة الكويت والمدافعين عن حقوقها أكثر من المولجيه المختصين.الهدوء مطلوب من الطرفين، وهو واجب على النواب قبل أصحاب الرأي أو المواطنين، فالمسؤولية الوطنية تقتضي ادراك حساسية العلاقات الخارجية ودقة المعالجات وعدم خلطها باصطناع البطولات الشخصية وبمزايدات الانتخابات.
مقالات
كلمة•: السياسة الخارجية ليست سوق مزايدات برلمانية
20-08-2009