الخصخصة... وحكومتنا الشريرة!
موقفي من فكرة الخصخصة، والكلام هنا عام، هو التأييد دون تردد، فأنا مؤمن تماماً بأن الدولة الريعية ما عادت، ولا كانت أصلاً، نظاماً صالحاً لمواجهة المستقبل بصعوباته الاقتصادية، وأنه لا يمكن لدولتنا، أن تستمر باقية، بمصدر واحد للدخل، وبنظام إداري مترهل متشابك مع واقع اجتماعي معقد، وأن تظل مع ذلك متمسكة بالسيطرة الإدارية المطلقة على كل مؤسساتها، وهي التي يدرك الجميع كم يرتع فيها الفساد الإداري وكم ينخرها التسيب وتعبث بها المحسوبيات والوساطات.
لكن هذا ما كان ليجعلني أوافق مطمئناً على مشروع الخصخصة الذي تقدمت به الحكومة دون النظر فيه، وذلك لسبب بسيط واحد، وهو أني، وأعترف بهذا، صرت واحداً من ضحايا داء «الشك» في كل شيء يبدر من جانب الحكومة، ومع كل مرة تقول فيها الحكومة شيئاً ما، يدور في مخيلتي ألف سبب وسبب للتشكك والقلق والخوف من أن ينتهي كلامها بأن يكون خدعة كبيرة أخرى.لكنني مع ذلك سأحاول أن أكون موضوعياً، وأقول إن الأمر، حتى لو جاء من الحكومة، يجب أن يكون رهيناً بتفاصيله، فالشيطان يكمن دوماً في التفاصيل، ولا يصح الرفض لأجل الرفض من باب المعارضة الدائمة، بحجة أن الحكومة شر مطلق لا يمكن أن يأتي منها خير نهائياً، فهذا غير مقبول!بحسب ما اطلعت عليه من معلومات حول المشروع، فهناك فعلاً جوانب حساسة تستوجب التوقف والنظر، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما جاء به الزميل الاقتصادي علي النمش في مقال له في «القبس» منذ أيام (15 أبريل)، حيث سرد وشرح تحفظات وملاحظات عدة حول المشروع. وأنا وإن اختلفت قليلاً مع اللهجة التي استخدمها في مقاله، فإني لا أملك إلا أن أشاركه التحفظات نفسها، وأراها جديرة بالاهتمام والرد من قبل الحكومة ومؤيدي المشروع. أما المعارضة الحالية للمشروع من قبل بعض الجهات والتيارات، فهي معارضة صاخبة في أغلب جوانبها للأسف، ومثل هذا الأسلوب كفيل، في قناعتي، بجعل أصحابها يخسرون تعاطف العقلاء الموضوعيين ممن يطلعون على التفاصيل ولا يخدعون بالمشاهد والأقاويل العامة، أما تعاطف الحشود العامة واستقطابهم للتمترس في خندق المعارضة فليس كافياً ولا مفيداً دائماً، وبالأخص في مثل هذا المشروع، تماما كما لم يكن كافياً ولا مفيداً في مشروع إسقاط فوائد القروض مثلاً.أتمنى لو أن المعارضين خففوا من حدة معارضتهم في جانبها الصوتي، واستندوا بدلاً من ذلك إلى الرؤى والزوايا الموضوعية لانتقاد المشروع، وأظن أنه سيكون بيدهم الكثير من النقاط المهمة والجوهرية في هذا الجانب.أما مسألة التلويح بأن المشروع هو في حقيقته بيع للثروة النفطية، وتشريد وتضييع لحقوق الموظفين الكويتيين، وما شابه، فهذا كلام غير صحيح، بل على العكس من ذلك تماما، يوجد في المشروع من الجوانب ما سيساهم في رفع كفاءة الموظف الكويتي وجعله من قوة العمل المنتجة الفاعلة لا البطالة المقنعة التي تمتلئ بها مؤسسات الدولة، والموظف الكويتي قادر على أن يتغير للأفضل دون شك، كما أثبت في أكثر من مرة وفي أكثر من موقع.لهذا، يا ليتنا لا نضيّع هذه الفرصة الذهبية لركوب قطار المستقبل بمعارضة صاخبة لا جدوى منها، ستفقدنا حتى فرصة تصحيح السلبيات والمثالب الموجودة في القانون الحالي، والذي أراه سيمر في كل الأحوال.