يطرح بعض أعضاء مجلس الأمة وعدد من الكتّاب والاقتصاديين موضوع التخصيص ("الخصخصة" أو "الخوصصة" كما تُسمى في بعض الأدبيات الاقتصادية) على أنه هو "السحر" أو الكلمة السرية التي ستفجر الطاقات، وستنقلنا نقلة نوعية في المجالات التنموية كافة، رغم أن دولاً كثيرة قامت بمراجعة جذرية لهذه السياسة الاقتصادية لاسيما في شكلها الحاد المتمثل في النقل الكامل للملكية من الدولة إلى القطاع الخاص، أي تخلي الدولة كلية عن دورها الاقتصادي والاجتماعي لمصلحة قوى السوق وآلياته بعد أن عانت هذه الدول، ولاتزال، تبعاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يضاف إلى ذلك الدروس الكثيرة المستفادة من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية، وما ترتب عليها من تداعيات جعلت الكثير من دول العالم تراجع بشكل جذري برامجها المتعلقة بالخصخصة.

Ad

لذلك، فإنه من المفترض في هذا الوقت تحديداً، ألّا يبالغ البعض كثيراً، خصوصاً بعض أعضاء مجلس الأمة، في تصوير برامج الخصخصة على أنها هي السبيل إلى غدٍ مشرق لكي لا يتهموا بعدم الموضوعية أو بتعارض المصالح، لاسيما أن الميزانية المقترحة من قبل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة هي 37 مليار دينار!

من ناحية أخرى، فإن للتخصيص أشكالاً وأنواعاً متعددة مثل النقل الكامل للملكية من الدولة (القطاع العام) إلى القطاع الخاص، أو العلاقة التعاقدية بين الدولة والقطاع الخاص التي تكون على شكل إدارة القطاع الخاص لبعض أنشطة القطاع العام "خصخصة الإدارة"، أو مشاركة القطاع الخاص للقطاع العام في تنفيذ وإدارة مشاريع عامة (بي. بي. بي.)، أو مثل عقود التأجير لاستثمار الموارد والأصول من قبل القطاع الخاص (بي. أو. تي.)، وعادة ما تكون هنالك شروط وضوابط معينة تحددها الدولة ويلتزم بها القطاع الخاص.

وفي هذا السياق لعلنا نلاحظ هنا أنه باستثناء الشكل الذي تتم فيه عملية النقل الكامل للملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، فإن الدولة (الحكومة) هي وحدها مَن يملك الأصول والموارد العامة، وبالتالي فإن بإمكان المواطنين كافة مساءلتها من خلال البرلمان حول كيفية التصرف في هذه الموارد العامة، لكن، علي النقيض من ذلك، فإنه في حالة النقل الكامل للملكية، فإن سلطة التصرف في الموارد والأصول ستنتقل إلى القطاع الخاص الذي لا يخضع للمساءلة العامة من قبل أعضاء المجلس، وهو أمر يجب أن يؤخذ في الحسبان عند مناقشة قانون التخصيص من قبل مجلس الأمة لأنه يتعلق بجوهر الديمقراطية ذاتها لاسيما في ما يتعلق بالسلطة والمسؤولية العامة.

أخيراً وليس آخراً، فإنه من المهم التأكيد على أن للقطاع الخاص في الدول كافة دوراً مهماً يجب أن يقوم به في عملية التنمية، لكن يبقى تحديد هذا الدور خاضعاً لظروف كل دولة على حدة، وهي ظروف تتعلق بنمط الاقتصاد وطبيعته، وحجم السوق وظروفه، وطبيعة القطاع الخاص وحجمه وبيئته، لذلك فإنه لا يمكن، على سبيل المثال، تعميم تجربة اقتصادية ناجحة للقطاع الخاص في دول صناعية رأسمالية منتجة على القطاع الخاص في دول العالم الثالث التي تعاني اقتصاداتها اختلالات هيكلية بنيوية، أو في الدول الريعية النفطية التي لها هي الأخرى ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة.