الأخ الشاب خالد الفضالة اسمه أشهر من نار على علم، فقد كان له دور حيوي وفعال لإقرار الدوائر الخمس ضمن حملة نبيها خمس، ومازلت أذكر أولى كلماته ضمن هذه الحملة في ديوان النائب السابق عبدالله النيباري عندما تبين في تلك الليلة أن الحكومة آنذاك قررت إحالة مقترح الدوائر العشر إلى «الدستورية»... وهو رجل نشط، وبلا شك يطمح إلى كويت أفضل، وخطابه وحدوي ينبذ العصبيات الطائفية والعرقية، ويسعى إلى مكافحة الفساد. 

Ad

 

وهذا النموذج من الشخصيات يعد مكسبا للوطن ومستقبله، لكنه بنفس الوقت ليس نموذجا مثاليا غير قابل للخطأ، بل إنه يحتاج إلى النصيحة والانتقاد، وهذه طبيعة المشاركة في الحياة السياسية. ولعل أحد الأخطاء الشائعة لدى السياسيين الشباب هو إطلاق تصريحات غير مدروسة ومنفعلة، مجاراة لحماس الجمهور وتصفيقه، وكيف لا يعاني الشباب هذا البلاء وهو البلاء الذي يعانيه بعض المخضرمين، وممن يفترض فيهم أن يكونوا قدوة لا منقادين، ولذلك، فإن الكلام الذي وجهه الفضالة إلى رئيس الوزراء كان خطأ، وطريقة التعامل مع الحكم القضائي الصادر بحقه كانت خطأ أيضا، وهذا كلام من أخ إلى أخيه ومن باب صديقك من صدقك (بفتح الدال) لا من صدّقك (بتشديد الدال). 

 

فالقضية ليست بقضية رأي كما حاول الجمهور المؤيد للفضالة تصويرها، لأن خالد لم يسجن بحكم من قبل السلطة التنفيذية كما هي العادة في الدول القمعية، ولم يسجن بسبب انتقاد عام لأعمال الحكومة ورئيسها، لأن مثل هذه الانتقادات كثيرة ونراها يوميا بالصحف، بل سجن بحكم قضائي ناتج عن اتهام صريح وواضح منه لرئيس الوزراء بغسيل الأموال وتوجيهها إلى الانتخابات، وهي تهمة ليست بالسهلة على الإطلاق لأنهما (أي غسيل الأموال والرشوة بالانتخابات) جريمتان تستوجبان سجن من يقوم بهما. 

 

من حق خالد الفضالة أن يكوّن قناعته الخاصة حيال مختلف القضايا، خصوصا فيما يتعلق بقضية تثير الكثير من علامات الاستفهام مثل مصروفات ديوان رئيس الوزراء، لكن أن يحول تلك القناعة إلى إدانات صريحة وعلنية دون الاستناد إلى حكم قضائي، فعندئذ عليه أن يتحمل تبعات هذا الموقف لا أن يحاول معالجة الخطأ بخطأ آخر، وهو محاولة تحويل القضية إلى قضية حرية رأي (وهي ليست بكذلك)، وعبر إطلاق بعض الشعارات مثل «ولي وطن آليت ألا أبيعه»، وما إلى ذلك من كلام أعتبره (مع كامل الاحترام والتقدير) محاولة لتسخيف الموضوع والهروب إلى الأمام. 

 

ثم إن كانت القضية حرية رأي مكفولة للجميع، فلماذا شارك الفضالة بنفسه بمهرجانات الخطابة ضد الجويهل وما رافقها من سب وشتائم لا تختلف كثيرا عما أطلقها الجويهل نفسه؟! فإن كانت حرية الرأي مطلقة، فمن حق الجويهل الكلام بما يحلو له من إسفاف دون تعليق المشانق مثلما يحق للفضالة إدانة من يريد دون توقع ملاحقته قضائيا. لكن إن كان لحرية الرأي حدود فلا يحق للفضالة الكلام بما يشاء دون تحمل تبعاته قضائيا، مثلما لا يحق للجويهل الكلام بما يشاء دون ملاحقته قضائيا أيضا وملاحقة قنواته. 

 

أقول هذا مع ملاحظة الفارق بين خطاب الجويهل والفضالة لأن الأمثلة تضرب ولا تقاس، فما يهمني هو المبدأ، وأهمية الكيل بمكيال واحد لا بمكيالين، كما أنني لا أناقش مدى صوابية سلوك رئيس الوزراء طريق القضاء من عدمه لاسترداد حقه القانوني والأدبي، بل أناقش ردة فعل الطرف المخطئ ومحاولة تحوير الموضوع والابتعاد عن صلبه. وفي النهاية أتمنى أن نتعلم جميعا من هذه الدروس ونتذكر الحدود التي رسمها لنا القانون والدستور.