أمسكت مفلقة المحار؟!


نشر في 18-10-2009
آخر تحديث 18-10-2009 | 00:00
 عبدالمحسن جمعة «أركبت مثلي «البوم» و»السنبوك» و»الشوعي» الكبير

أرفعت أشرعة أمام الريح في الليل الضرير

هل ذقت زادي في المساء على حصير؟

***

البحرُ أجمل ما يكون

لولا شُعوري بالضياع

لولا هروبي من جفاف مدينتي الظمأى وخوفي

أن أموت عريان في الأعماق أو في بطن حوت

أني أحاذر أن أموت

لما أفكر أن لي بيتاً ولي فيه عيال

لما أحسّ بأن في الدنيا جمال

***

أمسكت مفلقة المحار؟

في الفجر مرتجفاً لتكتمل القلادة

في عنق جارية تنام على وسادة

ريشية في حضن سيدها».

تلك مقتطفات من رائعة الشاعر الراحل محمد الفايز- مذكرات بحار- التي تصف بدقة أحوال جُل أهل الكويت الذين كانوا يعيشون من رزق ركوب البحر وأهواله، إنها كلمات معبرة عما عاشه أجدادنا من شظف الحياة وصعوباتها وما عانوه بسبب قلة الموارد والفقر، ومع ذلك بقوا لأجيال يكافحون ويبنون «الديرة» حتى عوَّضهم رب العالمين بالثروة التي تفجرت من تحتهم، فحمدوه وشكروه ولم يتسابقوا عليها أو يحاولوا اقتناص نصيبهم منها، واكتفوا بـبيت متواضع في إحدى ضواحي الكويت الجديدة بعد الخروج من مناطق داخل السور، ينتظرون بناء دولة حديثة تصنع مستقبلا آمنا لهم ولأجيالهم المقبلة، وتوظف الثروة لمصلحة الجميع.

ومَن بقي من أبناء الرعيل الأول حتى اليوم مازالت آثار «مفلقة المحار» وحبال الشراع على كفوفهم، ومازالت على جباهم آثار لفحة شمس الصيف اللاهب في البحار، هؤلاء لم يطالبوا يوماً باقتسام الثروة التي تراكمت في البلد، ولم ينعم بها- بنسب متفاوتة- سوى جيل واحد من أبنائهم عندما بدأت آثارها تظهر مع طفرة أسعار النفط في منتصف سبعينيات القرن الماضي، هؤلاء الذين لم يعرفوا طريق المناقصات والعمولات والتلاعب في مشاريع الدولة، وكانوا يدعون لله شاكرين ليل نهار وللحكومة فرحين براتب تقاعدي متواضع أو مساعدة من وزارة الشؤون بعد أن يتم «تشريح» أوضاعهم الاجتماعية من باحثي ومفتشي الوزارة. هؤلاء هم لب الكويت ومضمونها، وهم الأوتاد التي غرزت على أرضها في أغسطس 1990 لتثبّت الشرعية وتسقط اقتراح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران في حينه في الأمم المتحدة، ولتستقبلها لاحقاً بصدور مفتوحة في ربيع التحرير 1991، بعيداً عن تنظيرات المنتجعات ونضال ردهات الفنادق وصالات المؤتمرات ورحلات الطائرات الخاصة ومصاريفها!

وأبناء الرعيل الأول اليوم امتدادٌ لهم بكل موروث التضحية والجلد على مصاعب الحياة التي ورثوها عنهم، ولكن للأسف أفسدها، دون أن تمحوها من وجدانهم، غياب القدوة وممارسات فساد البعض وتحايلهم لنهب خيرات الوطن بكل السبل التي تفننوا في إبداعها.

فأبناء هؤلاء الأفذاذ لن يعلمهم أحد كيف يحافظون على ثروتهم الوطنية، خصوصاً ممن هم غرقى في نعمها حتى آذانهم دون مقابل يذكر لوطنهم... وأبناء هؤلاء العظام الذين وصفهم الراحل الفايز في تلك المذكرات الشعرية، لن يفلقوا المحار مجدداً ليكتمل العقد على صدر جارية... ولن يموتوا عرايا في بطن «حيتان البر» بعد أن نجا أجدادهم من «حيتان البحر»! 

back to top