في العاشر من أكتوبر سنة 1957 دار حوار مهم بين المقيم السياسي البريطاني بيرنارد بوروز وعبدالعزيز حسين في مقر المجلس الثقافي البريطاني. كان بوروز هو آخر «رؤساء الخليج» التقليديين، ممن كانوا يحاولون السير على خطى سلفهم الأشهر «بيرسي كوكس» والذي اقتطع من الكويت ثلثي مساحتها وسلمها للجيران. لم يكن اللقاء الأول بين الرجلين، ولكن في المرات السابقة كان الحديث يركز على التعليم، بحكم اختصاص ومنصب عبدالعزيز حسين رحمه الله، الذي كان له دور محوري في تأسيس قواعد التعليم في البلاد، ولا أظن أن الرجل قد أوفي حقه بعدُ.

Ad

هذه المرة كان الموضوع مختلفاً جداً، سمع فيها مستر بوروز كلاماً من محدثه أشعره بأن حسين ليس هو نفس الموظف الحكومي الكبير، بل كأنه زعيم لحركة التغيير والإصلاح.

واستناداً إلى بوروز «المتفاجئ» فقد دار الحوار التالي:

عبدالعزيز حسين: أشعر بالقلق بسبب الهوة الآخذة في الاتساع بين الشيوخ وبين الشريحة الأصغر والأكثر تقدماً من الشعب. وأرى ان اكثر موضوعين بحاجة إلى الاصلاح هما قانون يتيح حرية الصحافة، وإنشاء مجلس منتخب للتعامل مع مشاكل المجتمع. ان التعامل مع الحكومة أصبح أسوأ من أي وقت مضى، فحتى مجالس الدوائر السابقة، لم تعد موجودة في وقتنا الحاضر، وقد حاول بعض اعضاء تلك المجالس اقناع الحاكم لإنشاء مجلس موحد يتعامل مع مشاكل البلاد ولكنه لم يوافق، حتى إن بعض تلك المجالس حلت نفسها. مجلس المعارف مازال موجوداً ولكن أعضاءه كذلك قرروا أنهم لن يستمروا الا كمنتخبين. وفي المقابل فإن اللجنة التنفيذية العليا التي تأسست من بعض شباب الشيوخ وعدد من كبار الموظفين تحولت إلى مجلس الشيوخ الأعلى، والذي مع كل تقديرنا فإنه يتضمن فقط كبار الشيوخ. كذلك كانت هناك بعض الصحف التي تصدر عن الأندية، وقد اوقفت جميعها باستثناء الجريدة الرسمية «الكويت اليوم». كل هذا كان مقلقاً للشباب الكويتيين، الذين يحصلون على تعليم أفضل من السابق والذين يتصورون أن من حقهم المشاركة في إدارة الدولة. وفي ذات الوقت فإن تصرفات الشيوخ تزداد سوءاً، وإن هناك نزعة آخذة في النمو والاتساع للتساؤل عن أحقية الصباح في الامتيازات التي يحصلون عليها. فهم على أية حال ليسوا إلا واحدة من الأسر المهمة في الكويت، ولا يوجد سبب مقنع أو مطلق يجعلهم في وضع متميز عن غيرهم. لا أتوقع شيئاً كحركة ثورية عنيفة، فالكويتيون محظوظون بأنهم لا يحبون العنف، ولكني أتوقع أن يصبح الحراك السياسي أكثر كثافة، وإذا لم يتم استحداث مجموعة اصلاحات فإن الأسرة الحاكمة لن تحصل على سنة راحة.

وهنا التفت حسين إلى بوروز متسائلاً عن موقف بريطانيا مما يجري، وإن كانوا مستعدين لتقديم نصائح إصلاحية قبل أن يكون الوقت متأخرا جداً.

بوروز: نحن لا نتدخل عادة في الشأن الداخلي، ولا أظن أن الحاكم سيطلب نصيحة منا بهذا الخصوص، ولا أظن أننا سندفع بهذا الاتجاه خوفاً من أن تقود الإصلاحات إلى أمور جذرية في المستقبل القريب. ويبدو لي أن الاتجاه نحو البرلمان الدستوري غير مفيد، وفي رأيي الشخصي فإن أفضل وسيلة لمشاركة الناس هي عن طريق البلديات أو مجالس متخصصة كالتي كانت موجودة سابقاً في المجالات المختلفة.

حسين: وهل تكون تلك المجالس منتخبة أم معينة؟

بوروز: يفترض أن تبدأ معينة ثم تبدأ الانتخابات تدريجياً تحت شروط انتخابية صارمة ولعدد محدود من الناخبين.

حسين: الحديث عن البرلمان سابق لأوانه، والجميع يتفهم الاختصاصات والصلاحيات المحدودة دون التعرض للخارجية أو المالية، الا أنه لن يتم قبول شيء أقل من مشاركة فاعلة.

بوروز: لقد وجدنا فائدة كبيرة في اللجنة التنفيذية العليا، كما أنها مسؤولية أشخاص في المواقع العليا لإبلاغ الحاكم والشيوخ بتلك الأفكار الإصلاحية، وماذا يدور في أذهان الكويتيين من أفكار وآراء.

وهكذا لم يكن الحراك السياسي يقتصر على شخص واحد، بل كانت الفكرة أوسع وأشمل. فأين كنا؟ وأين أصبحنا؟ وهل استطعنا أن نستوعب حجم التغيير الذي تم في أقل من 60 سنة؟ الله المستعان.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء