في مناظرة ضمن أحد البرامج الحوارية، بين الإعلامي المعروف مفيد فوزي والداعية الإسلامي خالد الجندي، حاول الأول أن يتحذلق بتوجيه هذا السؤال الملغوم إلى الثاني: هل تعرف عدد الأقباط في مصر؟ وهنا أجاب خالد الجندي بقوله: "إن الإجابة على هذا السؤال مسألة تمس الأمن القومي بالدرجة الأولى! وإن من يريد أن يعرف هذا الرقم عن عدد الأقباط، إنما يعبّر عن نوايا خبيثة! إذ ما الداعي إلى إذاعة أو نشر أي معلومة حول هذا العدد، اللهم إلا الوقوع في حفرة الإشارة إلى الأقليات. والشعور بكون أي فئة (أقلية) لن يقود إلا إلى الشعور بالغربة". (انتهى الاقتباس).

Ad

تذكرت هذا الحوار وأنا أقرأ في صحيفة "القبس"، عدد الثلاثاء، 1/6/2010م، تحقيقاً حول السجل الانتخابي للمقيدين أو المنقولين في الدائرة الانتخابية الثانية، وقد هالني عمق الحُفَر التي يحفرها كاتب التحقيق في تحليله للمجتمع الكويتي، ليس فقط في تقسيماته الطبقية كاستخدامه لأوصاف "البرجوازية الوطنية"، و"البيوتات التجارية"، و"نخبة البيروقراطية الحكومية!"، و"ملاك المؤسسات والشركات الأهلية"، و"الطبقة الوسطى"، وإنما أيضاً في جرأته غير المسبوقة، في إدراج عدد أفراد كل فئة وعائلة وقبيلة وكتلة، في الدائرة الانتخابية المعنية، وبثقة لا يُحسد عليها! حيث يدرجهم كالتالي: النجادة، الكنادرة، أهالي بر فارس، الحساوية، البحارنة، الشيعة العجم، عنزة، الصلبة، الرشايدة، الهرشان، العوازم، شمر، مطير، الظفير. ناهيك عن التقسيم الذي غدا من الثوابت، وهو: سنة/ شيعة، حضر/ قبائل، والذي كان من مرتكزات هذا التحقيق. ولم يغفل المحرر أيضاً عن أن يتحفنا بتسطير جداول، ونسب مئوية، ورسوم بيانية، مع الإشارة باللون الأحمر الفاقع إلى موضعين وهما: جدول الخلفية المذهبية، ونسبة الشيعة في الدائرة!

يشير المحرر الفاضل إلى أنه استقى هذه الجداول الانتخابية من وزارة الداخلية، وهذه معلومة قد تكون مؤكدة. ولكن غير المؤكد بالضرورة والمنطق، قيام وزارة الداخلية بإدراج المواطنين ضمن الفئات والأنساب والأعراق أعلاه، لأن ذلك- ولله الحمد والمنة- لم يطبق في ملفات الجنسية أو يدرج في السجل المدني. وكل ما هنالك أن المحرر اجتهد في قراءة الأسماء المدرجة في الجداول ليس إلا، والاعتماد على الأسماء ومدلولاتها العرقية والمذهبية والفئوية، قد تكون مضلِّلة أحياناً ولا تعطي المعلومة الصحيحة.

كنتُ، ولاأزال، من أولئك الذين يتحرزون في قبول أو تصديق الاستبيانات والإحصاءات التي يتحفنا بها محررو الصحف، وهي استبيانات وإحصاءات تبدأ من قياس شعبية الفنانات ونجوم ستار أكاديمي، مروراً بقياس نسب الطلاق وإدمان المخدرات ومرضى السكر...إلخ، وقد تنتهي إلى الخوض في هذا النموذج من الإحصاءات التي لا يعرف القارئ مدى جدواها ومعنى مؤشراتها، اللهم إلا زرع المزيد من الحساسيات.

 وسبب تحرزي في تصديق الاستبيانات والإحصاءات التي يتطوع بها محررو الصحف اليومية، يعود إلى شكي أولاً في دقة الأرقام ودقة تمثيل الشريحة المدروسة، فما الذي يمنع المحرر من تأليف ما يشاء من معلومات حول نسبة مدمني المخدرات، أو عدد الجانحين من الأحداث، أو نسبة المطلقات في المجتمع، ربما لغاية في نفس يعقوب؟ أما السبب الثاني لهذا التحرز، فهو يعود إلى عدم صدور هذه النماذج من الدراسات المجتمعية، من مؤسسة بحثية أو علمية تشترط الموضوعية والمنهجية فيما تصدر من أبحاث ودراسات.

 تعليقاً على جهود محرر صحيفة "القبس"، في دسّ أنفه في هذه التقسيمات الفئوية/ العنصرية/ الطائفية، أرى أنها جهود غير محمودة وتنمّ عن "نوايا خبيثة"، وفيها مساس بالأمن القومي، وتحديد للأقليات، وتكريس للشعور بالغربة، كما قال خالد الجندي في حواره مع مفيد فوزي أعلاه.

ويبدو أن صحيفة "القبس" أدركت خطورة نشر مثل هذا التحقيق، فعمدت إلى حجبه في نسختها الإلكترونية، وحسناً فعلت، ولكنني لم أدرك الغاية من نشره محلياً إلى الآن! فإذا كان "هذا الغسيل" غير لائق نشره أمام العالم عبر الشبكة العنكبوتية، فهو أحرى ألا نقاربه ونحن نمر بهذه الاحتقانات التي لا يُحمد عقباها. حين كنا صغاراً على مقاعد الدراسة، كنا نُسمّى جميعاً بأسمائنا وأسماء آبائنا فقط، دون عوائل أو ألقاب أو قبائل، وكاد ذلك يكون عرفاً أقره وقبله الجميع، سواء أكانوا من علّية القوم أو من بسطائهم. رحم الله ذلك الزمان، ورحم رجاحة العقل وحسّ المواطنة.