تخضير النمو
على مدى العامين الماضيين انطلق الاقتصاد الأخضر من النظرية إلى التطبيق، ولقد تحول الآن إلى واحد من موضوعين رئيسين في إطار استعداد الحكومات لمؤتمر «ريو + العشرين» الذي ستستضيفه البرازيل في عام 2010.
إن قمة مجموعة العشرين في تورنتو تزودنا بالفرصة لإلقاء نظرة طويلة فاحصة على الكيفية التي تستطيع بها الاستثمارات الخضراء أن تساعد في التعافي الاقتصادي وتوفير فرص العمل في العديد من البلدان، في حين تعمل أيضاً على توليد المكاسب البيئية، خصوصا فيما يتصل بتغير المناخ.والواقع أن الصين التي وجهت نحو ثلث حزمة التحفيز نحو القطاعات البيئية شهدت ارتفاعاً حاداً في ناتجها المحلي الإجمالي، كما ارتفعت مستويات تشغيل العمالة في مجالات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، إلى أكثر من 1.5 مليون شخص، بعد إضافة 300 ألف عامل في عام 2009 فقط.وفي إسبانيا سنجد أن معدلات البطالة مرتفعة، ولكنها كانت لتصبح أعلى كثيراً بلا أدنى شك لولا تبنيها سياسة ترمي إلى تعزيز استخدام طاقة الرياح ودعم قطاعات التكنولوجيا النظيفة الأخرى، حيث تم إنشاء نصف مليون وظيفة جديدة.كما استثمرت كوريا الجنوبية أكثر من 80% من حزمة التحفيز لديها في مناطق تتراوح من النقل المستدام والمركبات ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة إلى المباني الموفرة للطاقة، ولقد دعمت كوريا كل هذا بخطة نمو خضراء تمتد لخمسة أعوام وتهدف إلى خفض الاعتماد على الكربون وإنشاء 1.8 مليون وظيفة.وفي الهند يساعد قانون ضمان تشغيل العمالة الوطنية الريفية في إصلاح وترميم نطاق واسع من البنية الأساسية الريفية الضرورية لدعم معايش الفقراء، بما في ذلك شبكات تخزين المياه في بعض أفقر المناطق في البلاد، مثل أندرا براديش. وتعمل هذه الشبكات على تحسين الأمن المائي، فضلاً عن زيادة مقدارها 25% في أجور العمال الزراعيين، وأكثر من 3.5 مليارات يوم عمل، حيث يخدم البرنامج ككل أكثر من ثلاثين مليون أسرة سنوياً في المتوسط.وفي مدينة ساو باولو التي تمثل نحو ثلث الاقتصاد البرازيلي، تعكف السلطات على تنفيذ استراتيجية اقتصادية خضراء تتراوح من النقل إلى المباني الرحيمة بالبيئة.ورغم أن التحول إلى الكربون المنخفض والاقتصاد الذي يتسم بالكفاءة في استخدام الموارد يكتسب المزيد من الزخم على مستوى العالم، فإن البعض يزعمون أن هذا التحول إما مجرد تغليف براق لأجندة التنمية المستدامة، وإما مؤامرة لتقييد النمو وليس تحرير طاقاته في البلدان النامية والأقل نمواً. وهي في كل من الحالتين الأجندة المفضلة في البلدان المتقدمة أو البلدان الناشئة السريعة النمو، وهي بذلك أجندة لا تستطيع البلدان الأفقر أن تتحمل تكاليفها.بيد أن كل هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. فقبل انعقاد قمة مجموعة العشرين، قمنا بتجميع بعض دراسات الحالة الأساسية، من المقرر أن ينشر جزء من تقرير رئيسي عن الاقتصاد الأخضر في وقت لاحق من هذا العام. وفي كينيا وجدنا أن سياسة الطاقة الخضراء الجديدة، بما في ذلك تعريفة التغذية واتفاقية لشراء الطاقة تمتد لفترة خمسة عشر عاماً، تعمل على دعم هدف أولي لتوليد خمسمئة ميغاواط من الطاقة الحرارية الأرضية، وطاقة الرياح، وطاقة الوقود الحيوي، فضلاً عن ارتفاع بلغ 40% في سعة الطاقة في البلاد.وفي أوغندا نجحت سياسات تشجيع الزراعة العضوية في تقديم أكثر من مئتي ألف مزارع معتمد وتوليد نمو قوي في الصادرات، من أقل من 4 ملايين دولار في عام 2003 إلى ما يقرب من 23 مليون دولار الآن.وفي تايلاند تساعد آليات السوق، بدعم من أهداف طموحة، البلاد في تأسيس شركات الأعمال التي أصبحت رائدة على مستوى الإقليم في إعادة تدوير النفايات، بما في ذلك بعض المشاريع الآن في لاوس وماليزيا، فضلاً عن توفير الآلاف من فرص العمل.على مدى العامين الماضيين انطلق الاقتصاد الأخضر من النظرية إلى التطبيق، ولقد تحول الآن إلى واحد من موضوعين رئيسين في إطار استعداد الحكومات لمؤتمر «ريو + العشرين» الذي ستستضيفه البرازيل في عام 2010. وهذا المنطق الفطري يقدم، وربما للمرة الأولى، نموذجاً للنمو المستدام يناسب البلدان النامية والبلدان المتقدمة على السواء.إن الأفكار والسياسات الجديدة، خصوصا حين تتحدى الوضع الراهن، تجد دوماً من ينتقدها، ولكن كما تظهر دراسات الحالة المتعددة فإن العديد من البلدان ذات الاقتصاد النامي بدأت بالفعل تعقد عزمها.إن الاقتصاد الأخضر ليس ترفاً، بل إنه ضرورة حتمية في كوكب يعيش عليه ستة ملايين إنسان، وتسعة ملايين بحلول عام 2050. ولقد منحته الأزمة المالية والاقتصادية أجنحة، ويتوقف مدى نجاح الاقتصاد الأخضر على السياسات الذكية التي تتبناها الحكومات الوطنية في البلدان المتقدمة والنامية، وعلى السياسات التطلعية التي تتبناها بنوك التنمية الإقليمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وخطط تمويل التنمية الثنائية التي تنفذها بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.إن قمة مجموعة العشرين في تورنتو لديها الفرصة، إن لم تكن تتحمل المسؤولية، لتمكين هذا التحول من خلال تولي دور قيادي في دعم طموحات البلدان النامية. ويتعين على زعمائها أن يؤكدوا التزامهم بترسيخ استدامة التعافي الاقتصادي العالمي، واعترافهم بقدرة الاقتصاد الأخضر على خلق مسارات تنموية مختلفة جوهرياً وصالحة للتطبيق في مختلف بلدان العالم.آكيم شتاينر & بافان سوكدوف*آتشيم ستاينر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة (UNEP)، وبافان سوكدوف مستشار خاص لدى مبادرة الاقتصاد الأخضر التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».