بكين وواشنطن ليستا على وفاق تام

نشر في 06-06-2010
آخر تحديث 06-06-2010 | 00:01
زجّت الصين نفسها في مأزق حرج؛ ففي وقت سابق من شهر مايو استضافت زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ إيل في إحدى زياراته النادرة، وقد استقبلته بحفاوة على الرغم من الشبهات التي كانت تحوم حول كوريا الشمالية بسبب حادثة سفينة "شيونان".
 إيكونوميست   اعتبر مسؤولون أميركيون أن عقد اجتماع كبير واسع النطاق ورفيع المستوى مع نظرائهم الصينيين، كذاك الذي عُقِد في بكين الأسبوع الماضي، هو بحد ذاته أمر يستحق الثناء، فوسط الانزعاج الأميركي من قوة الصين المتزايدة، أملت الحكومتان إظهار دماثة مطمئنة، غير أن ابتسامات الأميركيين كانت ستبدو أعرض لو أنهم تمكنوا من إقناع الصينيين باستعمال نفوذهم لكبح كوريا الشمالية المتمردة.

كان هذا أحد أكبر الاجتماعات التي عُقدت على المستوى الحكومي بين الولايات المتحدة والصين، فقد شارك حوالي 200 أميركي، من بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخزانة تيموثي غيثنر، في "الحوار الاستراتيجي والاقتصادي" في 24 و25 مايو. أُطلِق هذا الحوار في واشنطن في شهر يوليو الماضي باعتباره فرصة سنوية للحرص على أن المجموعة الواسعة من البيروقراطيات المشاركة في العلاقة بين البلدين تعمل بانسجام.

ولكن منذ الاجتماع الأول، بدأ الخلاف يزداد حدة، فقد تضايق المسؤولون الأميركيون مما اعتبروه عناداً صينياً خلال مفاوضات التغير المناخي التي نظمتها الأمم المتحدة في كوبنهاغن في شهر ديسمبر. وفي شهر يناير، علقت الصين التبادل العسكري الرفيع المستوى مع الولايات المتحدة رداً على قرار الرئيس باراك أوباما المضي قدماً في صفقة بيع أسلحة إلى تايوان طال نقاشها. وازداد الوضع تأزماً بسبب اجتماع في شهر فبراير بين أوباما والدالاي لاما، على الرغم من أن الرئيس قد أجله مراعاة للصين. فضلاً عن ذلك، أدت الخلافات بشأن سعر الصرف الثابت والإشارات إلى الحمائية في كلتا الدولتين إلى تفاقم الأوضاع.

خلال الأسابيع الأخيرة، حاولت الصين أن تظهر أنها مازالت تقدِّر العلاقة بين البلدين. فبعد الكثير من المماطلة، حضر الرئيس هو جينتاو قمة حول الأمن النووي ضمت 47 دولة في واشنطن في شهر أبريل. وفي الشهر ذاته، أجّلت وزارة الخزانة الأميركية تقريراً كان سيتهم الصين على الأرجح بالتلاعب بعملتها، وربما لم يكن هذا من قبيل المصادفة. (يعتقد غيثنر أن الدبلوماسية الهادئة قد تحقق نجاحاً أكبر في التخفيف من قبضة الصين على اليوان). وفي الشهر الماضي، أشارت الصين إلى أنها ستدعم عقوبات أشد تفرضها الأمم المتحدة على إيران، على الرغم من أن تفاصيلها لم تناقش بعد.

لكن التوتر الذي ظهر حديثاً في شبه الجزيرة الكورية أثبت مدى تردد الصين في إقامة شراكة استراتيجية حقيقية مع الولايات المتحدة. فمع انطلاق المحادثات بين الفريقين الصيني والأميركي في بكين، أعلن رئيس كوريا الجنوبية لي ميونغ باك مجموعة من التدابير المضادة بحق كوريا الشمالية بسبب شنها في مارس هجوماً مدمراً بواسطة طوربيد على سفينة "شيونان" الحربية التابعة لكوريا الجنوبية. وصفت كلينتون الوضع في شبه الجزيرة بـ"الخطير جداً" وأشارت إلى أنه على الصين والولايات المتحدة "التعاون معاً" لمعالجة هذه الأزمة. كذلك، تحدث المسؤولون الصينيون بشكل مبهم عن التعاون، لكنهم لم يظهروا دليلاً واضحاً على التضامن مع الولايات المتحدة.

من بكين توجهت كلينتون إلى سيئول ثم عادت إلى الولايات المتحدة، حيث كان يُفترض بالإدارة الأميركية أن تكشف في 27 مايو عن استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي ستتبناها. سافرت من دون ضمانات، علانية على الأقل، تؤكد دعم الصين للمحاولات الهادفة إلى ممارسة المزيد من الضغوط على كوريا الشمالية. فقد اكتفى المسؤولون الصينيون بتكرار العبارات المبتذلة التي يتفوهون بها كلما ظهرت المشاكل في شبه الجزيرة، عبارات عن الحاجة إلى ضبط النفس من قبل الطرفين. ولم تدعم الصين علانية التقارير التي أكدت قيام كوريا الشمالية بإغراق السفينة، ولا لمحت حتى إلى عدم موافقتها على سلوكها.

زجّت الصين نفسها في مأزق حرج؛ ففي وقت سابق من شهر مايو استضافت زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ إيل في إحدى زياراته النادرة، وقد استقبلته بحفاوة على الرغم من الشبهات التي كانت تحوم حول كوريا الشمالية بسبب حادثة سفينة "شيونان". حتى أن الصين لم تطلع الرئيس لي، الذي زار شنغهاي لحضور المعرض العالمي في نهاية شهر أبريل، على زيارة كيم المقبلة. وما كان بإمكانها أن تتوقع أنه بعد مغادرة كيم بأسبوع، ستُسحب من قاع البحر أجزاء من الطوربيد تبرهن تورط كوريا الشمالية.

لقد تغيرت أمور كثيرة منذ عام 2006، عندما أجرت كوريا الشمالية أول اختباراتها النووي المزعومة. في تلك الفترة، كانت الصين أكثر استعداداً بكثير لانتقاد حليفتها، فقد دعمت قراراً للأمم المتحدة يفرض عليها عقوبات اقتصادية، لكنها استمدت الطمأنينة من سعي كوريا الجنوبية المستمر إلى الحوار مع كوريا الشمالية، وشعرت بأنها مازالت تملك غطاءً للإبقاء على العلاقات الوثيقة. ويرى فيكتور شا، أحد خبراء الشؤون الآسيوية في مجلس الأمن القومي الأميركي في الإدارة السابقة، أن رد الصين على "حادثة شيونان" يشير إلى أن استراتيجيتها الكورية مازالت عالقة في "أيام الحرب الباردة وحليفتها الشيوعية". ويعتبر شا أن ذلك يشير أيضاً إلى أنه، على الرغم من كثرة تبجح الصين حديثاً على الصعيد العالمي، "هي ليست جاهزة بعد لاحتلال موقع الصدارة".

لكن المسؤولين الصينيين واعون تماماً للمخاطر المحتملة التي تنتظرهم في كوريا الشمالية، حتى إن كانوا يرفضون مناقشتها علانية، فيقر مشارك صيني في المحادثات مع الولايات المتحدة سراً بأن المخاوف بشأن انتقال الحكم من كيم إلى خلفه "مبررة"، كذلك، ترغب الصين بشدة في تفادي أي مواجهة مع الولايات المتحدة. ففي خلال المحادثات، عقد مسؤولون عسكريون صينيون بارزون أول اجتماع لهم مع نظرائهم الأميركيين منذ النزاع بشأن بيع الأسلحة إلى تايوان في شهر يناير. أما في ما يتعلق بكوريا الشمالية، فلدى الأميركيين انطباع بأن الصين ستوافق، إن لم يكن على قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فعلى إدلاء رئيسها بتصريح ينتقدها بحزم. صحيح أن هذه مجرد إدانة شكلية من الناحية الدبلوماسية، لكنها أفضل من لا شيء.

بذل المسؤولون الصينيون الجهود في سبيل طمأنة ضيوفهم إلى أنهم يتفهمون مخاوفهم المرتبطة بالعملة الصينية وسياسات "الابتكار المحلي" الجديدة، التي تخشى الشركات الأجنبية من أنها قد تسبب لها الخسائر. وفي هذا الصدد ذكر غيثنر أن رد الصين لم يبدد تماماً المخاوف الأميركية، لكنه شكّل "تقدماً".

لابد من أن يقدم الطرفان المزيد من الضمانات لتعزيز العلاقة الصينية الأميركية، فقد صدمت جملة أوباما في خطاب حالة الاتحاد في يناير، "أنا لا أقبل أن تحتل الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الثانية"، بعض الصينيين، وعلى الرغم من أن حوار هذا الأسبوع لم يحقق نتائج مذهلة، دافع مسؤول بارز في وزارة الخزانة عن الحاجة إلى اجتماعات مماثلة. فمن شأن هذه الأخيرة برأيه أن تزيد احتمالات أن تقرر الصين العمل ضمن إطار النظام العالمي، عوضاً عن ابتكار أسلوبها الخاص في سعيها وراء مصالحها. وهكذا يعيش الأميركيون على الأمل.

back to top