رواية الكاتب والصحافي ربعي المدهون «السيدة من تل أبيب» هي الرواية الثانية التي قرأتها من مجموعة روايات القائمة القصيرة التي رشحت لجائزة البوكر لعام 2009، وسبق أن كتبت عن رواية منصورة عز الدين، «وراء الفردوس»، وسأكتب لاحقاً عن الروايات المتبقية من القائمة.

Ad

حين نقرأ رواية كانت مرشحة لأعلى جائزة عربية عالمية، وهي جائزة البوكر، نتوقع منها أن تكون قد استوفت كل مقومات الكتابة الناجحة، وألا يكون هناك حتى نسبة 1 في المئة من عوامل الإخفاق فيها، لأنه على هذا المستوى مفروض أن تكون كل الروايات المرشحة قد تجاوزت كل ارتباكات البدايات، وكل التجارب غير الناضجة، وأن تكون قد وصلت إلى مستوى فني وأدبي عالمي، وجاءت لتتسابق في مضمار ناضج تماماً وخال من كل التجارب الأولى ومن ارتباكاتها، ويكون الاختيار هنا والمفاضلة بينها خاضعاً لمعيار الأهمية والجدة في الطرح وعمقه الإنساني، وأشياء أخرى ليس من ضمنها نضوج الكتابة، لأن هذا الشرط من المفروض أن تكون الروايات المرشحة قد تجاوزته.

وعلى هذا وجدت رواية «السيدة من تل أبيب»، لم تصل إلى هذا النضج الذي يؤهلها لمستوى الكتابة العالمية التي حين نقرأها لا نجد فيها تلك الإخفاقات والارتباكات التي نجدها في بدايات الكتابة الروائية، فالرواية العالمية حين تصل إلى مستوى الجوائز الكبرى، تكون قد وصلت إلى نضج كتابي لا يمكن أي ناقد أو قارئ من تصيد أي إخفاق فيها، أما رواية السيدة من تل أبيب فلم تخل من الارتباك التقني الذي أضعف بنيتها خاصة في النصف الأول منها، فالرواية ملكت مادة عظيمة وقضية نبيلة ألا وهي حياة الفلسطينيين في غزة وتحت الاحتلال الإسرائيلي، وكشفت لنا عن واقع الحياة هناك بكل مرارة قسوته بلغة صحافية مهضومة وخفيفة الدم، لماحة وساخرة من كل ما حولها وكل ما يحيط بها، غاصت في جوهر الاحتلال بحياد تام من دون تحيز لطرف ما لا للجانب الفلسطيني ولا للإسرائيلي، وهذا برأيي سر قوتها، لأن الكاتب ورغم أنه فلسطيني فإنه استطاع أن يكتب بشعور محايد.

الرواية بمادتها العظيمة هذه لم تكن في حاجة أبدا إلى تلك البهلوانيات والاستعراضات الكثيرة في استخدام تلك الألعاب المستهلكة في التقنية الروائية التي لم تفد الرواية في أي شيء، بل أثقلت كاهلها في المسارات الاستعراضية المتكلفة، وأتمنى ألا يغضب كلامي مؤلف الرواية الذي لا أعرفه، ولكن الكتاب لا يقبلون الرأي الصريح، لا من ناقد ولا من كاتب ابن كار كما يقولون، فهو خلق الراوي الذي هو صحافي وروائي وكاتب الرواية كلها، الذي كان وجوده باهتا وفائضا عن الحاجة إليه، كما جاء بشخصية وليد دهمان الذي خلقها الراوي، وأيضاً هو صحافي ويكتب أيضاً رواية عن عادل البشيتي، وهناك دانا الإسرائيلية التي يكتبها الراوي، ويكتبها الشخصية المخلوقة من الراوي وليد دهمان أيضاً، والاثنان يعلمان أن الراوي يكتبهما.

يعني الكثير من الفزلكات التي ضيعت المادة العظيمة التي بيد الكاتب، والتي ظهرت في الثلث الأخير من الرواية وتغلبت على كل البهلوانيات، وغاصت في عمق الصدق والأصالة الإنسانية العميقة، والمجروحة في صميمها الوجودي، وانتصر صدقها على كل مؤلفيها، وكانت بالفعل في حاجة إلى التركيز عليها وتناولها، وتحليلها في أسلوب تأملي إنساني عميق في كثافة حضوره.

وأخيراً هذه رواية يجب أن تقرأ من الجميع، ففيها واقع إنساني يهز الضمير، وهي من الروايات الفلسطينية التي تكشف الداخل المخبوء عنا، مع كل إخفاقاتها الاستعراضية.