أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل عدة أيام، إحالة تقرير مثير للجدل توصلت إليه إحدى لجانها المكلفة بتقصي الحقائق حول حرب غزة إلى مجلس الأمن، وقد تم التصويت على إحالة التقرير بأغلبية 114 صوتا مؤيدا، وامتناع 44 دولة واعتراض 18 دولة فقط.

Ad

التقرير، الذي خلا من أي جهود عربية، على الرغم من استنفار جامعة الدول العربية تجاه أحداث غزة في العام الماضي، وقدرتها على تشكيل كل أنواع اللجان، حصل على تأييد أغلب السفراء العرب لدى الجمعية العامة بل تضامنهم، ولاقى محاولات أوروبية لإدخال تعديلات على مفاهيم لغوية حول «الإدانة والتجريم»... ولم يكن ذلك التقرير إلا تقرير «غولدستون»، فما حقيقة غولدستون؟ ومن أين ظهر؟ وما سر اندفاع بعض الدول العربية وتردد بعضها الآخر تجاه رفع التقرير إلى مجلس الأمن؟

كاتب التقرير السيد ريتشارد غولدستون «الإفريقي الجنوبي» عمل قاضيا وناشطا قانونيا في المحكمة الدستورية خلال «عصر الحرية»، وهي فترة كتابة الدستور الجديد لجنوب إفريقيا، وانتقالها من مرحلة التمييز العنصري إلى عصر الحرية والمساواة، بعد ذلك، ولكونه يهودي الديانة، ترأس الجمعية العبرية في القدس، وكتب مقالات عديدة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي، ثم شارك تحت مظلة المحكمة الدولية ضمن العديد من لجان التحقيق الخاصة بجرائم الحرب، ومنها فريق التحقيق في أحداث يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، وكوسوفو، بعدها تم تعيينه للإشراف على برنامج النفط مقابل الغذاء من خلال ترشيح كوفي أنان له.

ومن خلال تلك المسؤوليات استطاع غولدستون أن يبني مصداقية لتقاريره حول مناطق النزاع، وإن كان قد أدان بذكاء الطرف والطرف الآخر، الأمر الذي ساهم في تردد بعض الدول العربية في تأييد التقرير الحالي لإدانته «حماس»، إلى جانب الطرف الإسرائيلي.

وعودة إلى سيرة غولدستون، فقد عين رئيسا للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة للبحث في موضوع انتهاكات الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة، في ديسمبر الماضي، ومن أبرز تصريحاته آنذاك أنه صدم لتعيينه لكونه يهوديا، ويقال إنه لم يلق ترحيباً إسرائيلياً، أما «حماس» فقد انتهزت تلك الفرصة لتمد يد التعاون.

وانتهى غولدستون من تقريره الذي برأيي لم يأت بجديد، ولم يتطرق لمعلومة نجهلها نحن كعرب، فجميعنا يعلم بحصار غزة وتردي الأوضاع الاقتصادية وضعف قطاع الصحة وندرة المياه النظيفة وغيرها من المآسي، إنما فعالية التقرير جاءت بسبب النهجين القانوني والدبلوماسي السليمين اللذين سلكهما التقرير، الأمر الذي نفتقر إليه في تداولنا مع قضايا الحرب والعدوان، فكم من قاضٍ أو دبلوماسيٍّ أو مختص في القانون الدولي كرس حياته لقضايا إنسانية، ولقي تأييدا من رؤساء منظمات دولية للعمل بلجان ذات أهمية؟ والأهم من ذلك كم أنفقنا من خلال صناديق الدعم والمساندة على توثيق الحقائق وتحويلها من شعارات إلى خطط عمل وتنفيذ؟

ولا يخفى على أحد أن التقرير قد يصبح يوما سلاحا ذا حدين، ولكن الأهم من التقرير هو الدرس الذي عسانا أن نستفيد منه في تنظيم وهندسة الدور العربي في المنظمات الدولية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة