تسعى الإدارة الأميركية جاهدةً منذ مدة في مجلس الأمن إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، وكانت قد صبّت جهوداً حثيثة في "محادثات الجوار" الإسرائيلية الفلسطينية التي نسقها مبعوث أوباما الخاص، جورج ميتشل، لكن هذين المسعيين اليوم مهدّدان من وجهة نظر أوباما، إذ لم يكن التوقيت أسوأ من ذلك. فضلاً عن ذلك، جاء الهجوم الإسرائيلي بعد وقت قصير من اتخاذ أوباما قراره بإنقاذ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد الأزمة التي شهدتها في مارس، وذلك حين أعلنت هذه الأخيرة خططاً لتشييد مبان سكنية يهودية في القدس الشرقية المحتلة في الوقت الذي كانت توشك فيه محادثات الجوار على الانطلاق.  

Ad

خلال تلك المواجهة، طلب أوباما من بنيامين نتنياهو تجميد بناء المستوطنة اليهودية في القدس، لكنه جوبه برفض من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا. في المقابل، استُقبل نتنياهو بفتور في البيت الأبيض في مارس، لكن إدارة أوباما ارتأت منذ بضعة أسابيع لسبب أو لآخر بأنه حان الوقت لفض الأزمة. فُدعي نتنياهو مجدداً وكان يُفترض أن يقوم بزيارة إلى واشنطن هذا الأسبوع، لكن بعد الهجوم، عاد مباشرةً إلى إسرائيل بعد زيارة قام بها إلى كندا.

وبمعزل عمّا يدور في خاطر أوباما، رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى موجة الاحتجاجات العالمية ضد حليفتها المتهورة، فقد حرص الدبلوماسيون الأميركيون في نيويورك على ألا تُدان إسرائيل في الاجتماع الخاص الذي عقده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودعوا إلى إجراء تحقيق حيادي في الوقائع فقط. في المقابل، كان أوباما حذراً في اتصاله الهاتفي مع رئيس الوزراء التركي الغاضب. فقدّم تعازيه وأكد الحاجة إلى تأمين المساعدات الإنسانية لشعب غزة إنما "من دون زعزعة أمن إسرائيل"، وفقاً لملخص عن المكالمة صدر عن البيت الأبيض.

وكما هي الحال دوماً، تؤدي السياسة المحلية دوراً في تشكيل ردود أوباما، وفي هذا الإطار، يمارس أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي ضغوطاً كبيرة منذ الخلاف الذي وقع في مارس. فقد وقع 334 نائباً في البرلمان من أصل 435 على كتاب يؤكد أهمية الحفاظ على علاقة وطيدة مع إسرائيل، ووقع 76 سيناتوراً من أصل 100 في مجلس الشيوخ على كتاب مماثل. وبالرغم من ظهور J Street، مجموعة ضغط نافذة مؤيدة لإسرائيل ومعتدلة، تتمتع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) بعضلات أقوى ولا تخشى استعراضها.

مع ذلك، حتّى في الكونغرس، فقد الدعم لإسرائيل صلابته وبدأت تظهر عليه بوادر تغيير، فمن جهته، لفت دان سينور، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، أخيراً إلى وجود "انقسامات حقيقية" بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين بشأن إسرائيل، "وتلك الانقسامات آخذة في الاتساع والترسخ بطرق لم نعهدها منذ عقود". من جهة أخرى، لايزال الجمهوريون يؤمنون بشدّة بدعم الدولة اليهودية.

مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس لمنتصف الولاية المُزمع إجراؤها في نوفمبر واستعداد الديمقراطيين لهزيمة نكراء، قد لا يكون الوقت مناسباً لأوباما للبحث عن متاعب جديدة مع إسرائيل. لعل ذلك هو السبب وراء سعي البيت الأبيض منذ مطلع مايو إلى تصحيح ما وصفه رام إيمانويل، رئيس هيئة الموظفين في البيت الأبيض في عهد أوباما، طريقة الإدارة المعيبة في توجيه الرسائل. في هذا السياق، أكدت مجموعة من كبار المسؤولين أن الروابط مع إسرائيل يصعب فكّها.  

مع ذلك، قد يكون نفوذ السياسة المحلية مبالغاً فيه، فعلى الرغم من ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين قبل الهجوم الإسرائيلي على الأسطول، أوضح أوباما مرات كثيرة في الأشهر الأخيرة أن إسرائيل لم تعد تستطيع التسليم بالدعم الأميركي. فهو يؤمن حقاً على ما يبدو بأن الولايات المتحدة قادرة وملزمة بتطبيق الحل بإقامة دولتين في فلسطين، وفي المقابل، يقول نتنياهو إن هذا هدفه أيضاً، لكن في ما يتعلق به، فإن ثمة أسبابا قوية تدفعنا إلى الشك في مصداقيته، ومادام أن هذين الرئيسين باقيان في السلطة من دون تغيير قناعاتهما، فإن الفجوة ستزداد ينهما.