الله... يُسْتـر !
ما كان يجب أن يتأخر اتهام صنعاء لإيران بالتدخل في الشؤون اليمنية الداخلية كل هذا الوقت، وما كان يجب أن يأتي هذا الاتهام على استحياء وبطريقة مُواربة، فهذا التدخل كان واضحاً ومؤكداً منذ البدايات، وهذه المشكلة "الحوثية" ما كان من الممكن أن تستمر حتى أصبحت ضرساً ملتهباً في الفك اليمني الذي يعاني أوجاعا كثيرة أخطرها على الإطلاق وجع الجنوب الذي يبدو أنه مصرٌّ على العودة إلى التشطير وفك ارتباطه نهائياً مع الشمال، لو تم التعامل معها منذ اليوم الأول بالحزم والحسم والقوة المسؤولة. ليست وساطة قطر وحدها هي التي فشلت، بل كل الوساطات التي عملت على هذا الخط قد انتهت إلى الفشل الذريع، بحيث بقي "الحوثيون" يظهرون بعد كل وساطة أو هدنة أو وقف لإطلاق النار أقوى من السابق، وهذا يدلُّ على أن هناك تدخلاً خارجياً، وأن هناك من يجود على هذا التمرد بالدعم السخي، وهذا كان يجب أن يقف إزاءه الرئيس علي عبدالله صالح ومنذ البدايات بحزم وبكل جدية.
عندما تضطر دولة من الدول إلى التعاطي مع أي تمرد ضدها بالوساطات وبوقف إطلاق النار فإنها ستكون هي الخاسرة في النهاية، وعندما تواجه أي دولة من الدول التدخل الخارجي السافر في شؤونها الداخلية بالملاطفة والدبلوماسية الناعمة وتحاشي الصدام فإن المتدخلين سيضاعفون تدخلهم، وهناك قاعدة تقول إنك إنْ تراجعت أمام الخصم خطوة فإنه سيزيد ضغطه عليك كي تتراجع أمامه خطوات عديدة. ما كان على صنعاء أن تلوذ بالصمت إزاء التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية منذ البداية وكان عليها، مادام أنها واثقة من أن الإيرانيين هم الأصحاب الحقيقيون لهذه الظاهرة الحوثية التي غدت تهدد نظام الرئيس علي عبدالله صالح بصورة جدية، أن تتصدى لهذا التدخل ليس بالتصريحات المبهمة الخجولة وإنما من خلال الجامعة العربية ومن خلال منظمة المؤتمر الإسلامي ومن خلال الأمم المتحدة... وبالسلاح إذا اقتضى الأمر. الآن هناك مشكلة متفاقمة في الجنوب لاتزال تأخذ طابع ما يسمى "الحراك السلمي"، والواضح في ضوء ما قاله النائب السابق للرئيس اليمني علي سالم البيض لهيئة الإذاعة البريطانية يوم الثلاثاء الماضي من ملجئه السياسي في ألمانيا يدل على أن قرار العودة لـ"التشطير" جديٌّ وإن أُعطي اسماً ملطفاً هو: فك الارتباط. وهذا يعني، في ضوء التقدير والقناعة بأن الصواريخ والطائرات والدبابات لن تنهي هذه الظاهرة "الحوثية"، وفي ضوء ما قاله علي سالم البيض، أن أيام اليمن المقبلة ستكون في غاية الخطورة وفي غاية الصعوبة، وهذا يتطلب أداءً رسمياً على مستوى كل هذه التحديات التي هي جدية وفعلية... والله "يُسْتر"! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء