بعيداً عن حقيقة النزول على القمر، واعتراض الآلاف حول العالم، بمن فيهم «شايبنا» وابني على الموضوع، فإن ظن الإنسان وإيمانه بأنه قد تمكن من تحقيق ذلك الحلم بحد ذاته كانا قفزة خرافية شاسعة لكل الجنس البشري. لايزال أحد «شيابنا» حفظهم الله، يؤمن إيماناً مطلقاً بأن الوصول إلى القمر هو مجرد كذبة أميركية محضة، ويستند في ذلك إلى سببين رئيسين، أولهما علمي والثاني سياسي.

Ad

السبب العلمي يقول إنه حينما يطير الصاروخ إلى الأعلى إلى هذا القمر الذي نراه في السماء، ويصله فعلاً، وهو الأمر المستبعد أصلاً لبعد المسافة، ولكن على افتراض ذلك، فسيكون القمر فوق الصاروخ، فماذا سيفعل سائق الصاروخ ليحط على القمر؟ هل سيدور حوله فيحط فوقه من الناحية الأخرى؟! طبعاً نظرية «شايبنا» تتجاهل قواعد الجاذبية والغلاف الجوي وكروية القمر، وغيرها من الملحقات غير الضرورية، وتفترض أن القمر مثل صينية الشاي الدائرية!

وأما السبب السياسي، وهو أكثر وجاهة من سابقه العلمي، فيقوم على فكرة أن مَن تبجح بالوصول إلى القمر هم الأميركيون وحدهم، في حين أن الإنكليز لم يضيّعوا دقيقة واحدة في هذه الترهات، وفي «خرابيط» أبحاث الفضاء، بل ليس عندهم من هذا شيء على الإطلاق، ولو كان في هذه الأمور فائدة أصلاً لما تركها أصحاب الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، وهم الذين لم يتركوا شيئاً فيه ثمرة.

ظريف هو «شايبنا»، ولكن الحقيقة أنه ليس الوحيد الذي يقول باستحالة وصول الإنسان إلى القمر، في ذلك الوقت على الأقل، بل إن هناك مجموعات كبيرة حول العالم من أكاديميين ومثقفين وطلبة علم يؤمنون إيماناً مطلقاً بأنها خدعة كبرى، وأن مشاهد نزول «أبوللو 11» على سطح القمر التي بثتها التلفزيونات في العشرين من يونيو 1969م، هي مشاهد مفبركة جرى تصويرها في صحراء نيفادا في ظل الحرب الباردة التي كانت تجري بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ولهم أدلتهم على ذلك. آخر المنضمين إلى هذا الفريق هو ابني الأكبر فيصل، حيث كان يناقشني منذ أيام بأنه لا يوجد هواء ولا رياح على سطح القمر، فلماذا كان يرفرف علم أميركا في تلك المشاهد التي بثت!

على أي حال، وبعيداً عن حقيقة النزول على القمر، واعتراض الآلاف حول العالم، بمن فيهم «شايبنا» وابني على الموضوع، فإن ظن الإنسان وإيمانه بأنه قد تمكن من تحقيق ذلك الحلم بحد ذاته كانا قفزة خرافية شاسعة لكل الجنس البشري. فعندما آمن الإنسان بأنه قد وصل حقاً وحط على القمر، تغيرت نظرته إلى نفسه وقدراته وحجمه وعلاقته بالعالم من حوله، وتغير ظنه بقدرته وبما يمكن له أن يفعله ويحققه. يقول نيل آرمسترونغ، وهو أول رجل مشى على سطح القمر: لقد غيرنا الطريقة التي ينظر فيها الإنسان إلى نفسه، وإلى ما يمكن أن يكون عليه، وإلى أين يمكنه الوصول!

إن قصة الوصول إلى القمر كانت دفعة نفسية كبرى للإنسان لتحدي ما كان يراه مستحيلاً في السابق، وللخروج من الشرنقة التي رسمها حول نفسه لحجم إمكاناته، ولذلك تتالت بعدها الإنجازات البشرية التي كان يظن الإنسان أنها مستحيلة، وهذه هي القيمة الحقيقية والأثر الأكبر للوصول إلى القمر، فكثير من الأمور في حياة الإنسان يكون أثرها المعنوي والنفسي أكبر بكثير من كل آثارها المادية المباشرة، والوصول إلى القمر هو واحد من أهم هذه الأمور ولا شك!