آخر وطن: المحبة ليست الحب!

نشر في 21-05-2010
آخر تحديث 21-05-2010 | 00:00
 مسفر الدوسري أعتقد أننا غالبا ما نخلط -جهلا- بين شيئين، المحبة والحب.

المحبة هي المولودة التي تُخلق نتيجة تزاوج روحين، فإذا كان التزاوج بين جسدين ينتج عنه ولادة كائن ثالث، فإن التزاوج بين روحين ينتج عنه ولادة المحبة.

تحمل هذه المولودة جينات تلك الروحين، وتتشكل منهما، وبقدر ما تأخذ من جينات جميلة من هاتين الروحين بقدر ما تتمتع به تلك المولودة من جمال، والعكس صحيح، فقد تأخذ أبشع ما في هاتين الروحين من صفات، فتولد المحبة غاية في البشاعة، وقد تولد معوقة، أو مشوهة، أو أي صفة أخرى كأي كائن آخر، فهناك محبة عمياء، وأخرى صماء، وثالثة ذكية، وعكسها غبية، أو أي صفات أخرى.

المهم أن هذه المحبة تنشأ في كنف أبويها، وهما المسؤلان عن تربيتها ورعايتها.

ووعي الأبوين هو المرشد والدليل لهذه المولودة في ما يتعلق بخُلقها وفكرها وسلامة صحتها النفسية.

المحبة... طفلتنا الجميلة التي نحبها وندللها ونمنحها ضياء عيوننا، ونقوّس حنان قلوبنا حولها حنايا من ياسمين.

وهي طفلتنا التي نسهر حول سريرها إن اعتلّت صحتها، ونحيط فراشها بالدعوات والدموع وعلب الأدوية والأحجبة والمباخر التي تطرد الشياطين وشرور الحسد!

المحبة... حشاشة قلوبنا التي نحرص أن نأخذها الى المدرسة صباحا بأنفسنا ونعيدها الى البيت، ونراجع معها واجباتها المدرسية، ونفكر في مستقبلها ليل نهار، ونخاصم الجيران من أجلها عقابا لما ارتكبه ابنهم من قلة ذوق عندما لم يسمح لها باللعب طوال الوقت في المرجيحة الوحيدة في حديقة الحي!

هذه الطفلة المسماة بالمحبة... تأتي الى الحياة بشكل قدري لا يشبه ولادة الكائنات الحية الأخرى، فلا يتم التخطيط لإنجابها، ولا تمنع قدومها حبوب الحمل!

تخلق هذه الطفلة من خلال مصادفة كونية كبرى، فالتقاء روحين مصادفة، يشبه اصطدام غيمتين في السماء، فينتج عن هذا الاصطدام احتفال كوني مهيب، حيث تشع السماء فجأة بالنور.

وما أظن صوت الرعد إلا زغاريد الطبيعة فرحا «بليلة الدخلة» لهاتين الغيمتين، وما المطر سوى استحمام الطبيعة بعد انقضاء لحظتهما الحميمية، وما الربيع سوى الابن الشرعي لهما!

إن التقاء روحين وتزاوجهما حدث كوني لا يقل هيبة ومهابة عن تزاوج غيمتين، فكما أن الربيع هو الابن الشرعي لتزاوج غيمتين، فإن المحبة هي الابنة الشرعية لتزاوج روحين، هذا ما أفهمه عن المحبة.

أما الحب فهو شيء آخر...

الحب هو...

استعداد الأبوين (أو أحدهما) للقيام بكل ما يلزم من تضحيات، لبقاء تلك الابنة المدللة... سعيدة بينهما!

الحب...

هو مجموعة السلوكيات والتصرفات التي تضمن حياة مرفهة للمحبة، وبيئة سليمة لنموها.

وهو مجمل القيم والأفكار التي نؤمن بها من أجل «تربية» المحبة تربية صالحة.

وهو المعنى الذي يسيّر خطوات المحبة، ويقيها طريق الزلل.

لذا أعتقد أننا يجب أن نثقف أنفسنا بالحب قدر المستطاع لنكون مهيئين عند ولادة المحبة.

قد لا نختار اللحظة التي تولد فيها المحبة، وقد لا نعرف متى «تحبل» أرواحنا بها، ولكن عندما يحدث ذلك لابد أن نكون مستعدين عن طريق إثراء وعينا بفهم الحب جيدا.

وتذكروا جيدا مقولة إيليا أبوماضي: لن يحب المرء حتى يفهما!

back to top