الأرملة السوداء
منذ عام 2001 نفَّذت النساء أكثر من هجوم انتحاري لمصلحة الحركات الأصولية في روسيا، راح ضحيتها أكثر من 900 قتيل، وكان آخرها التفجير الأخير الذي شهدته محطة القطارات في ساعة الذروة وراح ضحيته أكثر من ثلاثين قتيلاً.الهجوم الأخير نفَّذتة سيدتان أطلقت عليهما الصحافة الروسية دون تردد "الأرامل السوداء"، وهو لقب يُطلَق على نوع من إناث العنكبوت السامة والخطيرة التي تقتل زوجها مباشرة بعد التلقيح.
وبغض النظر عن القضية الرئيسة التي يقاتل من أجلها مسلمو القوقاز الجيش الروسي في صراع مرير وطويل، وسقوط قائد الحركة شامل باسييف ومن بعده بيرتاسكي، والذي له علاقة مباشرة بالتفجير الأخير، يبدو الأكثر أهمية دخول المرأة كأحد الأسلحة المفخخة في الصراع الأصولي، وهو أمر الهدف منه إلقاء الضوء على عمليات مشابهة في العراق تم تنفيذها بطريقة مشابهة من قِبل مجموعة من النساء اتُّهِمن مباشرة بأنهن مختلات عقلياً كحل مريح للإشكال.لم يدَّعِ أحد في روسيا بأن السيدات اللواتي نفَّذن العمليات الانتحارية مصابات بخلل عقلي وأصابهن مس من الجنون القاتل، لقد تمت دراسة الحالة بصورة علمية وبحثت دراسة سيكولوجية للباحثتين آن سبيكهارد وباختا أخميدوفا أكثر من أربعين حالة للأرامل السوداء، في محاولة لمعرفة حقيقة النسوة والدوافع التى من أجلها يقمن بهذه الأعمال.بعد مجموعة من اللقاءات مع عائلات النساء وأقاربهن، كانت الاجابة الوحيدة للدراسة هي "الثأر"، والنساء اللواتي تمت دراستهن وتتراوح أعمارهن بين 18 و38 سنة، فقدن أخاً أو زوجاً أو أباً، واغتصب أفراد من الجيش الروسي قريبات لهن وبعضهن تعرض للاغتصاب. ويأتي مصرع قائدَي الحركة، وهما من درَّب النساء، في قمة الأسباب التى أدت الى الهجوم الأخير.في المقابل، القراءة السياسية للحدث تناقش مسألة قرب مسلمي الشيشان من إيران التي تبعد 200 كيلومتر جنوباً مقارنة بروسيا، وهي قراءة وإن كانت شائكة، لكنها مشابهة لصلب موضوعنا ونحن نناقش عمليات مشابهة تقوم بها نسوة عراقيات، فإيران أقرب الي العراق من الشيشان.الطريقة التي يتم بها توظيف امرأة انتحارية وسهولة أن تلبس نطاقاً ناسفاً، بحاجة الى فهم خاص لسيكولوجية المرأة، فالمرأة أكثر عاطفة في تربيتها عاطفياً وأكثر قسوة في تهيئتها لعمل قاسٍ، فالإحصائية الروسية تشير الى أن الثلاثين امرأة ممّن دربتهن الحركة الأصولية ضمن مجموعة كبيرة من الرجال، نفَّذن جميعا العمليات الانتحارية مقارنة بالرجال، أما إطلاق أحكامنا الجاهزة بأن النسوة اللواتي ينفذن عمليات انتحارية في العراق مصابات بالجنون، فهو مؤشر على عجزنا في البحث النفسي عن بواعث هذه الأعمال، وهو أمر لا يريحنا وحدنا في التخلص من أعباء البحث العلمي، إنما يريح من يجنّد النسوة للقيام بتلك الأعمال.المرأة في المشروع الديني مسألة قاتمة ومربكة سلماً وأكثر قتامة وإرباكاً في المشروع الجهادي، وقصورنا في فهمها سلماً هو ذات القصور في فهمها حرباً، وربما كان الوصول الأصولي إلى فهمها وتعبئتها للقيام بعمل انتحاري ينم عن عقلية مختلفة حين يكون الأمر في تهيئتها سلماً، ففي الحالة الأخيرة عليها أن تقر في بيتها وخروجها إلى عمل انتحاري هو فقط مس من الجنون، وعلينا أن نصدق الحكاية ونصمت. البحث في مسألة المرأة بحالة الحرب في حاجة الى نظرة أكثر شمولية ودراسة علمية، وهو أمر تستطيع المرأة الباحثة الاثراء فيه أكثر من الرجل، وأكثر ما أخشاه أن يصل بنا الأمر إلى أن نرى أطفالاً مصابين بالجنون في ما سيأتي من أيام.