رد الخارجية الإسرائيلية على نية الداعية الإسلامي السعودي محمد العريفي زيارة القدس الشريف وإعداد برنامج من هناك لفضائية "اقرأ"، بدعوته إلى مراجعة إحدى سفاراتها في الخارج، هو في حقيقة الأمر رفض لهذه الزيارة، فهي تعرف، أي إسرائيل، أن مواطن دولة لا تعترف بها، هي المملكة العربية السعودية، يخالف قوانين بلاده، ويضع نفسه تحت طائلة المسؤولية إن استجاب لهذه الدعوة.

Ad

وإزاء هذا الأمر فإن ما لا نقاش فيه هو أن العريفي لو يستطيع الوصول إلى القدس الشريف عبر السلطة الوطنية الفلسطينية لما كانت المملكة العربية السعودية قد أبدت أي اعتراض، بل إنها بالتأكيد ستشَجعه على هذه الزيارة وعلى زيارات مماثلة أخرى حتى لكبار المسؤولين السعوديين، إذ إنها أول من يعرف ويدرك أن مثل هذه الزيارات تعمق صلة العرب والمسلمين بالأقصى وقبة الصخرة المشرفة وبمدينة تعتبر ثالث مقدسات هذه الأمة بعد مكة المكرمة ومدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

إن "التطبيع" المجاني مع إسرائيل من حيث المبدأ غير مقبول، بل مرفوض سياسياً ودينياً وأخلاقياً مادام الإسرائيليون يواصلون احتلالهم للأرض الفلسطينية، ويرفضون حتى مبادرة السلام العربية، لكن يجب التوقف طويلاً عند كلمة "التطبيع" هذه التي باتت تستخدم كسلاح حتى ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، والذين تقتضي ظروف حياتهم أن يتعاملوا مع الإسرائيليين بالنسبة إلى متطلبات الحياة اليومية، وأولها التوقف عند عشرات حواجز الجيش الإسرائيلي التي تقطع أوصال الضفة الغربية.

لا شك في أن "التطبيع" مرفوض، والمقصود هنا ليس أن يقوم مسلمٌ أو عربي بزيارة للقدس الشريف وحتى إلى عكا وحيفا ويافا، وخصوصا إذا كان هذا المعني يحمل جواز سفر أميركياً أو بريطانياً، بل ان يأخذ العرب والمسلمون بالرواية الإسرائيلية (اليهودية) لتاريخ فلسطين وتاريخ المنطقة، فهذا هو المرفوض بل إنه يشكل جريمة لا تغتفر سواء بالنسبة إلى الأفراد أو الدول.

ربما يذهب أي فلسطيني وأي عربي أو مسلم إلى إسرائيل ألف مرة، فهذا لا يشكل تطبيعاً إن هو لم يترافق مع اعتراف بالرواية الإسرائيلية (اليهودية) لتاريخ فلسطين وتاريخ المنطقة، ويقيناً، وهذا أعرفه أنا العبد الفقير إلى العلي القدير أن كل الذين زاروا الأرض المحتلة منذ عام 1948، وأيضاً الأرض التي احتلت لاحقاً في عام 1967 قد عادوا وهم أكثر رفضاً لوجود هذه الدولة، وبهذا فإن "التطبيع" هو بالأساس قناعة، وقد تكون هذه القناعة في ذهن وقلب شخص يعيش في أقصى ركن من الأرض، ولا يفكر إطلاقاً في أي زيارة للدولة الإسرائيلية، بينما أن شخصاً يزور هذه الدولة يومياً لكنه مع كل زيارة يزداد رفضاً لرواية إسرائيل التاريخية هذه المشار إليها ويزداد تمسكاً بكل ذرة من تراب فلسطين.