عشرون عاماً مرت على الغزو الذي كان... حين كان الغزو، انقلبت حياتنا وأيامنا رأساً على عقب. عشرون عاماً مضت ومازلنا نسأل، كيف حدث ما حدث، ولماذا حدث ما حدث، وكيف لنا أن نخرج من هذا المأزق المجنون، مأزق الاستراتيجيا، بل مأزق الفراغ والعدم؟

Ad

ذاكرة الأشهر السبعة التي عشناها، أو متناها لا فرق، مازالت حية في الأذهان. كيف كنا وكيف أصبحنا؟

كيف كنا قبيل الغزو، نتعامل مع حالة استلاب وغياب حريات واحتقان طائفي، ثم انتقلنا إلى حالة تماسك وتوحد واقتدار على التصدي والصمود.

وجوه كثيرة تطل عليّ ولا تبارح مخيلتي، من فيصل الصانع إلى يوسف المشاري إلى عادل الرقم إلى عبدالوهاب المزين إلى مبارك النوت إلى أحمد قبازرد، إلى أسرار القبندي ووفاء العامر، إلى فايق عبدالجليل وغيرهم كثير. تشرق بلا وهج، تضيء ولا تحرق، كانوا فكانت الأشياء أكثر منطقية.

حكاية "الصامدون" كانت حكاية لم تحظ بحقها من الضوء، بل سيطر عليها الواغش والبراغيث، حكاية "الصامدون" كانت حكاية غير تقليدية، حكاية ربما لم تكن تشبهنا ككويتيين. كانت إبداعات لا تنضب، كان الشعور بالقوة الذاتية غريباً، له لذة لا يعرفها إلا من ذاقها، شعور غريب بالقوة في مواجهة من هو أقوى منك حسابياً بمراحل، فمع كل ما أوتي المحتل من قدرات فتاكة لم يتمكن من كسر الإصرار والاستمرار. كانت العيون تلمع بتحدٍّ غريب، وسخرية صادمة للمنطق. قدرات لا تنضب عن الإبداع والخلق، في كل منطقة يتجذر إبداع خاص وقوة مضاعفة على الاستمرار والصمود.

ها نحن نودع العقد الثاني من الغزو الذي كان، فأين كنا وأين أصبحنا؟ وهل صار علينا لزاماً أن ننسى وندس تلك الحقبة بقضها وقضيضها تحت السجادة، ونتحدث عنها بهمسات خجلى؟

أين أصبحنا بعد أن صار الغزو الذي كان في خبر كان، وأصبح من التراث وجزءاً من الفُلْكلور يعبث به العابثون، أين أصبحنا بعد أن كنا "إصراراً وتحدياً... كنا فوق الاحتلال" كما يقول صاحبنا مسفر الدوسري. "من يقول إن احنا كنا لحظة تحت الاحتلال". كم كان مسفر ملامساً للواقع إننا لم نشعر أننا تحت بل كنا فوق بمشاعرنا وقوتنا، والآن وبعد عشرين عاماً هل أصبحنا تحت شيء ما جاثم على الصدر وشعور قاتم بالإحباط، فمتى نصبح فوق أنانيتنا وتعصبنا وتطرفنا للذات؟

هل كنا أبطالاً عندما أعلنا التحدي وقررنا أن نواجه جحافل غزاة بصدور عارية؟ لا أدري. هل كانت التضحيات التي قدمها الشهداء والأسرى وعموم الناس داخل الكويت وخارجها بكويتييها وبدونها وغيرهم تستحق ما بذلت لأجله؟ بالتأكيد.

الغزو الذي كان، كان اختبار قدرات ربما، ففاجأنا أنفسنا بإمكانات لم تكن في الحسبان، فما بالنا اليوم وقد ضاعت البوصلة، وتاهت الرؤية، وتفلش المجتمع إلى أجزاء صغيرة لا يجمعها جامع ولا يربطها رابط ويقودها قادة المجتمع إلى هاوية.