محمود المليجي وهدى سلطان، من أهم الأعلام الذين أخلصوا للفن بلا حدود، فمنحهما الجمهور وما زال تقديراً واعتزازاً إلى أبعد مدى.

Ad

تجمع بين الفنان الكبير والفنانة القديرة، اللذين نحيي ذكراهما هذه الأيام، موهبة أصيلة ومثابرة ومقدرة على الاستمرار في تقديم الفن الجميل إلى آخر لحظة في عمرهما.

يعتبر المليجي نموذجاً في السينما المصرية بموهبته الكبيرة التي اكتشفت هذه السينما حجمها وعمقها متأخراً – نسبياً – لكن على أية حال ، أن يأتي ذلك متأخراً خير من ألا يأتي على الإطلاق.

حصرت السينما المليجي طويلاً، في دور رجل العصابة أو الشرير ذي البعد الواحد، فلا غنى في رسم الشخصية ولا تفاصيل أو لمسات خاصة، إلا في حدود ما كان يمنحه المليجي نفسه، بما يتمتّع من مقدرة وخبرة، إلى شخصيات يأتي رسمها في السيناريو فقيراً ومحدوداً، كذلك الأمر بالنسبة إلى نماذج كثيرة في السينما نذكر من بينها: عبد المنعم إبراهيم وتوفيق الدقن...

لحسن الحظ، كان المليجي على موعد مع «فصل» جديد مختلف في مسيرته، بفضل لقائه الفني الرائع مع المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم «الأرض» (1970)، حينها، وجد المليجي في شخصية الفلاح المثابر محمد أبو سويلم دوراً جميلا مميزاً، غنياً بالأبعاد والمواقف، فمنحه طاقته وبراعته، وتأكد للجميع، ما رآه شاهين في الممثل العملاق، بعدما فشل آخرون في اكتشافه أو تأخروا في إدراكه.

تألّق المليجي في دور أبو سويلم، فبدا مقنعاً في تجسيد ملامح الفلاح المصري الأصيل، الذي يقاوم مع رفاقه الاحتلال والإقطاع بكل بسالة منذ شبابه المبكر، وعندما تقدّم في العمر حارب أطماع الباشوات ملاكي الأراضي الذين نهبوا أرض صغار الفلاحين، ونزفت يداه وجسده وروحه وهو يتشبّث بأرضه واختلطت حمرة دمه بخضرة الأرض وبياض القطن فيما يجرجره العسكر بلا رحمة وهو يقاوم ويستبسل حتى الرمق الأخير (يعتبر هذا المشهد أحد أعظم مشاهد النهاية في السينما المصرية بل في السينما العالمية).

استكمل المليجي عطاءه المتميّز في أهم أعمال شاهين: «الاختيار» (1971)، «العصفور» (1974)، «عودة الإبن الضال» (1976)، «إسكندرية ليه؟» (1979)، وفيه يؤدي دور والد يحيى، أي شاهين في صباه، وهو محام يقف إلى جانب ابنه حتى يحقق حلمه بالسفر إلى أميركا للتخصّص في السينما، ويجسّد نموذج المحامي الجاد الشريف الذي يعود فشله في كسب بعض القضايا إلى الفساد الشامل المخيف الذي يضرب البلاد. يُذكر أن الفيلم هو الجزء الأول من رباعية يتناول فيها شاهين سيرته الذاتية.

أما هدى سلطان فإن أهم ما اتسمت به مسيرتها الفنية، في اعتقادنا، هو «التفوق» الواضح في كل مجال دخلته، فهي تعدّ في تاريخ الغناء العربي أحد أكثر الأصوات تميزاً وجمالاً ورهافة، وتفوقت في التمثيل في الأدوار كافة: من البنت البسيطة المغلوب على أمرها إلى أداء دقيق لدور فيه ملامح إغراء وشهوة لا تقدر عليه إلا الممثلات المحترفات في العالم، كما في «امرأة على الطريق»، أحد أهم أفلام المخرج عز الدين ذو الفقار والكاتب عبد الحي أديب.

عندما أدت سلطان دور الأم في مرحلتها الأخيرة، وصلت إلى ذروة أخرى وتفوّق جديد، ولا ننسَ تجسيدها شخصية الأم الفذ في المسلسل التلفزيوني «الوتد» (قصة الأديب خيري شلبي)، فكانت «وتد» البيت بحقّ وعماد الأسرة، التي من دونها يتداعى كل شيء.

جمعت سلطان في أدائها البارع بين رقة الأم في أعماقها ورسوخها وصلابتها في الوقت ذاته، وبين مقدرتها على توجيه الأسرة والإمساك بزمام كل شيء بمهارة وثقة.

لهذا وكثير غيره، يبقى محمود المليجي وهدى سلطان، خالدين في حياتنا الفنية الإبداعية، إنهما من المواهب التي لن تخبو ومن العلامات التي لن تغيب أبداً.