تجربة نزول الناس إلى الشارع للتعبير عن موقف أو الاحتجاج أو كردة فعل ضد التحرش والاستفزاز، كما شاهدناها خلال الأيام القليلة الماضية، بحاجة إلى تحليل معمق ودراسة موضوعية إذا ما أردنا حقيقة إعادة التفكير في رسم المستقبل السياسي لهذا البلد.

Ad

فالتحرك الشعبي، وعلى الرغم من محدوديته فئوياً ومناطقياً، في الأندلس والعقيلة ثم الرميثية كان نتاجاً لحالة التعبئة والشحن النفسي والتحريض المستمر على مدى سنوات خلقت صورة واقعية من الاصطفاف والاستقطاب الحاد طبقياً ومذهبياً، انعكست ميدانياً من خلال الخروج إلى الشارع، وإن كان بالتبرير الظاهري لذلك هو برنامج الجويهل في قناة السور ولوحة عاشوراء الاستفزازية.

فالخروج إلى الشارع عبر الاعتصامات الجماهيرية كان سينطلق لأي سبب آخر وبالذات في هذا الوقت لأن النفوس تشبعت بالتحريض والشحن العاطفي من جهة، والرغبة في الظهور وإثبات الذات والقدرة على تسخير الاصطفاف عملياً من جهة أخرى، ناهيك عن وجود آلة هندسية تعمل من خلف الكواليس وتسعى إلى إيجاد مواجهة بالوكالة بين فئات المجتمع كحسابات وأجندات خاصة جداً.

فالتحرش بالقبائل والاستفزاز الطائفي مسألة لا تخص معتوهاً هنا أو سفيهاً هناك، ولكنها رسالة يريد البعض توجيهها أو يعبّر عنها نيابة عن قطاع أوسع أو فئة أكبر في المجتمع، وفي نفس الوقت فإن ردة الفعل الجماهيرية الجياشة بالعاطفة تغذي بدورها الشعور السلبي العام تجاه من ينتمي إليهم أولئك الأفراد المستفزون في حركة دوران مكررة تزيد النار اشتعالاً!

وبالتأكيد فإن استمرار هذا النوع من التحشيد الشعبي قد يستغل أو يستثمر بطرق وأساليب لغايات وأهداف بعيدة عن الحالة الغاضبة والمتألمة في مجملها، والتي خرجت بها تلك الاعتصامات، ولذلك لا ينبغي أن تستمر مثل هذه التجمعات أكثر وأكثر، فالرسائل المتبادلة قد وصلت للجميع وبشكل واضح ومباشر، ويفترض من الآن فصاعداً أن تقوم الحكومة بأجهزتها واختصاصاتها بحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق المواطنين بكل انتماءاتهم والانتصار لكراماتهم، وإنزال سيادة القانون وهيبة الدولة بحق من يحلو له العبث باستقرار المجتمع ودق إسفين الفتنة بين أبنائه.

وبالمقابل يجب على الحكماء والشخصيات الوطنية الفاعلة في المجتمع والممثلة لمختلف أطياف المجتمع من سياسيين وعلماء دين وأكاديميين ومثقفين أن يتصدوا للغلاة والمتطرفين من أوساطهم قبل غيرهم أولاً لنزع فتيل أي فتنة قد يتعمد البعض إشعالها، وثانياً لإيصال رسالة لا لبس فيها ولا غموض بأن المساس والتحرش وإيذاء أي فئة في المجتمع الكويتي يؤرّق ويزعج النسيج الاجتماعي الوطني برمته.

ويجب أن يعود الاحتكام للشارع من خلال المسيرات الشعبية والتجمعات الجماهيرية للقضايا الوطنية العامة، والانتصار للدستور والدفاع عن حقوق جميع الكويتيين، لأن هذا ما يعكر مزاج أعداء هذا البلد بالفعل، ويزعج المتربصين بديمقراطيتنا وتراثنا التاريخي الذي احتضن التعددية بروح وطنية وأخوية على مدى ثلاثة قرون من الزمن.

فكم كانت تجمعات الاثنين جميلة في التفاف الكويتيين مع بعضهم بعضا، استردوا من خلالها الدستور والديمقراطية، وكم كانت ساحة الإرادة تمثل لوحة رائعة للوقوف مع مبدأ المطالبة بالإصلاح السياسي عبر بوابة تعديل الدوائر، وكم ستكون الرسالة بليغة إذا التقى الجميع من جديد على مائدة الوطن ورفعت شعارات التعايش الأخوي ورفض دسائس المحرضين ومرضى القلوب والعقول ممن لا يحلو لهم العيش عندما تكون الكويت لجميع الكويتيين!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة