من المعروف أنه كلّما ازدادت كمية المعلومات المتوافرة وارتفعت درجة دقتها، ارتفعت في المقابل درجة صحة القرار المتخذ والعكس صحيح، كما أن حل أي مشكلة ما يبدأ عادة بتحديدها بدقة وتشخيصها بشكل سليم، لذلك، فإننا نرى الأطباء، على سبيل المثال وليس الحصر، يبدؤون بجمع المعلومات الكثيرة حول المرض من أجل التوصل إلى تشخيص دقيق له لأن التشخيص الجيد كما هو معروف يؤدي إلى علاج جيد والعكس صحيح، والشيء ذاته ينطبق على القرارات الحكومية، حيث من المفترض أن تتخذ الحكومة قراراتها بناء على معلومات وافية ودقيقة تستطيع أن توفرها لها فى الوقت المناسب الأجهزة الإدارية والفنية المتعددة التابعة لها، لأنه كلّما اتخذت الحكومات قرارات صحيحة ورشيدة، ارتفعت درجة فعاليتها وازدادت، بالتالي، ثقة الناس بها والعكس صحيح أيضاً.

Ad

لكننا إذا ما طبقنا ذلك على القرارات التي تتخذها حكومتنا، فإنه من المؤسف القول إن أغلب هذه القرارات غير مبني على معلومات وافية ودقيقة، لذلك فإنها لا تؤدي إلى حلول جذرية للمشاكل العامة... والشواهد على ذلك كثيرة لعل آخرها مشكلة مديونيات المواطنين.

فكما ذكر النائب الفاضل د. يوسف الزلزلة رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية في مجلس الأمة في إحدى المقابلات التلفزيونية، فإن الحكومة لا تملك معلومات وافية ودقيقة حول المراكز المالية للمدينين لكي تحدد حجم المشكلة بالضبط رغم وجود قانون منذ عام 2002 يلزم الحكومة بتوفير مثل هذه المعلومات، وكل ما استطاعت الحكومة توفيره لمجلس الأمة هو عدد المدينين الذين عليهم قضايا ضبط وإحضار صادرة من المحاكم حيث يمثلون 3.4% من العدد الكلي للمدينين، لذلك أوصت اللجنة المالية بأن يشمل إسقاط الفوائد المدينين كافة، وهي، كما نلاحظ، توصية مبالغ فيها كثيراً خلطت الأوراق بدلاً من حل المشكلة الحقيقية.

هذا التقصير الحكومي في توفير المعلومات الدقيقة التي تعتبر المرحلة الأولى الضرورية لتحديد الحجم الحقيقي للمشكلة وتشخيصها بشكل سليم، جعل الحكومة تهمل المشكلة منذ البداية على اعتبار أن ذلك وضع طبيعي يحصل في بلدان العالم كافة، ثم جعلها لاحقاً "تتعسر" في تنفيذ الرغبة الأميرية السامية لإنشاء صندوق المعسرين لأن معلوماتها حول هذه المشكلة لاتزال قاصرة وغير دقيقة، وهو ما جعل بعض أعضاء مجلس الأمة يتسابقون لتقديم اقتراحات حلول "انتخابية" خيالية بدأت قبل أربع سنوات بالمطالبة بإسقاط الديون كافة، وانتهت أخيراً بالقانون الذي أُقر في الأسبوع الماضي حول إسقاط الفوائد وإعادة جدولة الديون، وهو القانون الذي أفصحت الحكومة عن نيتها بالتوصية برده إلى المجلس، الأمر الذي يعني أن المشكلة ستظل عالقة من دون حل جذري، وهو ما يعني استمرار معاناة المتعثرين الحقيقيين. وهنا فإنه يحق لنا أن نتساءل: ترى كيف ستواجه الحكومة المشاكل التنموية الكبيرة والمعقدة وهي التي عجزت، كما هو واضح، عن حل مشكلة بسيطة تتعلق بمديونيات المواطنين؟!