صك براءة للبنوك المستقلة
وأخيرا أقر صندوق المعسرين بحلته الجديدة، وبذلك ستطوى صفحة القروض ومشاكلها على ما يبدو، ولم يعد هناك داع للاستمرار في طريق إقرار قانون استملاك القروض وإسقاط فوائدها، والذي احتوى على العديد من السلبيات، وكان واضحا منذ البداية أن مثل هذا الاقتراح ما كان سيكتب له النجاح.
لكن يبدو أن بعض المزايدين مازالوا يصرون على التمسك بهذا المقترح، وكأنه لم يكفهم خداعهم للناس طيلة المدة السابقة، وعدم تشجيعهم على الدخول بصندوق المعسرين بالرغم من مزاياه العديدة التي اكتشفها الناس لاحقا، فعضوا أصابع الندم على تفويتهم لتلك الفرصة، وتمنوا أن يفتح هذا الباب من جديد لهم، وهذا ما تحقق أخيرا. لكن هذا الحل لم يعالج إلى الآن مشكلتين كبيرتين، أولاهما عدم تقديم حل للمقترضين الذين تضرروا من رفع الفوائد المركبة ومدة السداد، لكنهم في نفس الوقت غير معسرين، بينما يحق للذين لم يتضرروا من رفع الفوائد- لأن قروضهم إسلامية- الانخراط في الصندوق بالرغم من أنهم كانوا على علم مسبق بالأقساط التي سيدفعونها، وثانية هذه المشاكل هي عدم محاسبة البنوك على الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها في الفترة ما بين 2003 إلى 2008. ففي تلك الفترة كانت البنوك تمنح المكافآت لمصرفييها على حسب عدد القروض التي يمنحونها للناس ومقدار حجمها، وهذا ما أدى إلى تسابق هؤلاء على تسويق القروض للناس حتى لمن لا يحتاجها، فكانوا يبادرون بالاتصال بعملائهم ومعارفهم وحثهم على أخذ قرض من أجل شراء سيارة أو غيرها من الأمور الاستهلاكية أو للمضاربة بالبورصة، وقد نجحوا في إغواء الكثيرين ومن ثم توريطهم بالفوائد المركبة. بل إن أحد البنوك التف على القوانين، وكان يعطي العميل قرضا محليا إضافة إلى قرض من بنك أجنبي حتى لا يظهر في (الساي نت)، وبذلك يكون مقدار مجمل الأقساط التي يتحملها العميل كبيرا ويصل في بعض الأحيان إلى %80 من الراتب، هذا إضافة إلى تقسيم بعض البنوك للقرض إلى قسمين، بحيث ارتفعت المدة والفائدة معا على العملاء عند رفع البنك المركزي للفائدة. لقد ارتكبت البنوك كل هذه التجاوزات الجسيمة، لكن إلى الآن لم تتم محاسبة أي منها على هذه الممارسات التي دمرت عائلات كثيرة، ولم يتم فرض أي غرامات أو محاكمة أي من مسؤوليها على هذه الجرائم، وكل ما فعله البنك المركزي هو تشديد الرقابة على القروض الجديدة دون تكفيره عن قصوره عن رقابة البنوك في المرحلة السابقة، بل إن إقرار قانون المعسرين من دون محاسبة البنوك على أخطائها هو بمنزلة مكافأة لها على سياستها العبثية والمتهورة في الإقراض دون ضوابط ودون دراسة للمخاطر التي صاحبت تلك السياسة. لذلك نرجو من المجلس والحكومة عدم نسيان هذه القضية ومتابعتها حتى لا تتكرر مستقبلا، لأن من يأمن العقوبة يسيء الأدب، لكن أعتقد أن رد فعل من يقرأ المقال سيقول «حاج عقالي».