إسرائيل تتحالف مع الهند... والعرب يتفرجون

نشر في 04-08-2009
آخر تحديث 04-08-2009 | 00:00
 د. عمار علي حسن خلال السنوات الأخيرة تسارعت وتيرة العلاقات الهندية-الإسرائيلية، وتشعبت لتطوي مصالح استراتيجية، وبدت الحكومة الهندية مستعدة لتقديم تنازلات تلو الأخرى، دون أن يكون العائد على قدر ما فرطت فيه لتل أبيب ومعها واشنطن، وهو الأمر الذي طالما انتقده رموز حزب المؤتمر، وهم في مقاعد المعارضة، قبل أن يستعيدوا الحكم، ويواصلوا التقارب مع إسرائيل بينما العرب يتفرجون.

في حقيقة الأمر فإن العلاقات الهندية-الإسرائيلية لا تعود إلى السنوات التي حكم فيها بهاراتيا جاناتا، بل تضرب بجذورها في عمق تاريخي. فالساسة الهنود أبدوا اهتماما بقضية الصراع العربي-الإسرائيلي منذ نشوبه. ففي العشرينيات من القرن المنصرم، اتخذ الهنود جانبا مؤيدا للفلسطينيين في رفض الهجرة اليهودية، واشترطوا موافقة العرب على إقامة وطن لليهود في فلسطين، حتى يمكنهم إقرار المطالب اليهودية، لكن الموقف تغير نسبيا، بعد استقلال الهند عام 1947، إذ تقدمت بوصفها عضوا باللجنة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، بمشروع دعت فيه إلى إنشاء دولة فيدرالية في فلسطين، مع منح اليهود حق الحكم الذاتي. وتعاطف المهاتماغاندي وجواهر لال نهرو مع اليهود على خلفية ما أشيع حول تعذيبهم على أيدي النازي، لكنهما عارضا قيام دولة يهودية على أرض فلسطين. ولم تلبث حكومة نهرو أن اعترفت بإسرائيل عام 1950، من جراء ضغوط خارجية، من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وضغوط داخلية مارسها الجناح اليميني في حزب المؤتمر، الذي كان يتزعمه وقتها السردار باتيل، وزير الداخلية، متغلبا نسبيا على الجناح المنافس الذي يضم المسلمين وكان يتزعمه أبو الكلام أزاد وزير التعليم، ورفض بشكل قاطع الاعتراف بإسرائيل. وحتى يضع نهرو حدا لهذه المشكلة، توصل إلى حل وسط، يتمثل في الاعتراف بإسرائيل مع الإبقاء على التمثيل الدبلوماسي عند المستوى القنصلي.

لكن الهند، في إطار تكتل دول عدم الانحياز، تفاعلت بإيجابية مع القضايا العربية، خصوصا مع تدفق مئات الآلاف من العمال الهنود إلى منطقة الخليج العربي. واستمرت العلاقة في الظاهر قوية بين الهند والدول العربية، لكنها في الباطن كانت تتمدد في اتجاه تمتين الروابط مع إسرائيل في مجالات شتى، لاسيما الدفاعية والأمنية. وشهد عام 1962 تحويلا بارزا على هذا الصعيد، حين اندلعت حرب التبت بين الهند والصين، إذ طلبت الهند من إسرائيل تزويدها بأسلحة إنكليزية، من تلك التي كان يستخدمها الجيش الهندي، واستجابت الأخيرة على الفور. وبعد عام واحد كان وفد هندي في تل أبيب يدرس مع الإسرائيليين سبل تعزيز التعاون العسكري، وهي الخطوة التي تعززت باتجاه البلدين إلى بناء قاعدة عسكرية ذاتية متطورة. فلما شنت الهند حربا واسعة ضد باكستان بسبب قضية إقليم كشمير، قدمت إسرائيل إلى الهند كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية، خصوصا في مجال الصواريخ المضادة للدبابات وقذائف المدفعية وأجهزة الاتصالات. وردت الهند بتزويد إسرائيل بكميات كبيرة من قطع غيار المركبات القتالية إبان حرب يونيو 1967.

وبعد حرب أكتوبر 1973 تعددت زيارات الوفود الهندية إلى إسرائيل للحصول على خبرة الحرب الإلكترونية، ووصل الأمر إلى حد طلب الهند من إسرائيل صراحة تزويدها في التسعينيات بنظام «فالكون» للإنذار المبكر، وحصلت الهند كذلك على طائرات مراقبة بدون طيار من إسرائيل، إلى جانب تحديث المقاتلات الهندية من طراز «ميغ 12» وتطوير الدبابات الهندية من طراز «آرغون». وقامت الهند بتزويد إسرائيل بمادة الثوريوم واليورانيوم التي توجد باحتياطات كبيرة في الهند أواخر عام 1962 مقابل تزويد إسرائيل للهند بالتقنيات النووية، إلى جانب تعاون البلدين في مجال تصغير الأسلحة النووية، ما يعني إنتاج قنابل ورؤوس وقذائف نووية ذات أعيرة أقل. واتفق الجانبان على أن تستخدم إسرائيل الأراضي الهندية في إجراء التجارب النووية، بعد أن تم إنهاء النظام العنصري في جنوب أفريقيا، الذي كانت تتعاون إسرائيل معه في هذا المضمار. وقام ضباط إسرائيليون بتدريب جنود هنود على ملاحقة عناصر المقاومة في كشمير، من واقع خبرتهم في ملاحقة أفراد المقاومة الفلسطينية، وأمدت إسرائيل الهند بمنظومة رادارات متطورة للمراقبة، وبصور تلتقطها الأقمار الصناعية الإسرائيلية لإقليم كشمير، وأوضاع الجيش الباكستاني.

وتعززت العلاقات في مجالات أخرى، فدشن البلدان 200 مشروع مشترك في الهندسة وإدارة المياه الجوفية ومحاربة التصحر، وزادت الاستثمارات الإسرائيلية في الهند من 36 مليون دولار فقط عام 1992 إلى ما يربو على ملياري دولار عام 2008، واتفق البلدان على أن يعامل كل منهما الآخر معاملة الدولة الأولى بالرعاية، ما أدى إلى تزايد قيمة التبادل التجاري من 200 مليون دولار عام 1992 إلى ما يربو على 2.8 مليار دولار عام 2008.

وكانت إسرائيل جسرا قويا لعلاقات متنامية بين الهند والولايات المتحدة، إذ أقنعت واشنطن بأن تعاونها العسكري مع نيودلهي يحقق لها عدة أهداف استراتيجية، منها استكمال تطويق إيران من الجنوب الشرقي، واحتواء الصين، وقمع الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتشددة في المنطقة. وكان من نتائج هذا التقارب بين واشنطن ونيودلهي، وقوف الأولى إلى جانب الثانية في قمع المقاومة الكشميرية، وحرصها على توازن عسكري في منطقة جنوب شرق آسيا يضمن للهند مكانة ملموسة، ما تجسد بوضوح من اعتراض الولايات المتحدة على صفقة طائرات إسرائيلية إلى الصين، وتحويلها إلى الهند. ووجدت واشنطن في نيودلهي حليفا مهما في الحرب التي تخوضها ضد طالبان والقاعدة بأفغانستان وخارجها، خصوصا في ظل ما تردد عن مساندة عناصر القاعدة للمقاومة الكشميرية ضد الهند. واستفادت واشنطن من المعلومات الاستخباراتية المهمة التي كانت لدى الهند عن الأوضاع في أفغانستان، قبل شن حرب عليها في أكتوبر من عام 2001.

من هذا المنطلق فإن من الصعوبة بمكان أن تقفز حكومة المؤتمر على هذه العلاقات العميقة بين الهند وإسرائيل، بل إن هذا التوجه ليس مطروحا على الإطلاق في ضوء إدراك النخبة الحاكمة الجديدة للهند للمصالح الاستراتيجية لبلادهم. ويقف المطروح عن سقف «ترشيد» هذه العلاقات أو جعلها أكثر تعقلا، حسب ما يقوله خبراء هنود، وذلك على أساس أمرين مهمين: الأول هو ألا تصل العلاقة إلى حد تبني الهند للأفكار والتحركات الأميركية في جنوب شرق أسيا أو المواقف الإسرائيلية حيال العرب. والثاني هو تحقيق الهند أقصى استفادة ممكنة من علاقاتها بإسرائيل والولايات المتحدة. وستحاول الهند أن تنجز هذين الهدفين دون أن تترك علاقتها بواشنطن تنزلق إلى ما كانت عليه إبان الحرب الباردة. وعلى الوجه الآخر من المتوقع أن تسعى الحكومة الهندية إلى إحداث توازن في علاقاتها حيال العرب وإسرائيل، وأن تقدم دعما ماديا للفلسطينيين، دون أن تفرط في العلاقات العسكرية والاقتصادية القوية مع تل أبيب، التي وصلت إلى أن أصبحت إسرائيل أكبر مورد أسلحة للجيش الهندي.

* كاتب وباحث مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top