سبق أن دعونا أكثر من مرة في هذه الزاوية إلى ضرورة بدء حوار وطني شامل حول المستقبل... فكما أوضحنا في مقال لنا بتاريخ 5 مارس 2008 تحت عنوان "مستقبل الكويت... دعوة للحوار" فإن مستقبل الكويت قد أصبح من الموضوعات التي تؤرق الكويتيين جميعهم، لاسيما في ظل تعثر عملية التنمية المستدامة، وتردي الأوضاع العامة اللتين يلمسهما ويعترف بهما الجميع، بمن فيهم أعضاء السلطتين، أضف إلى ذلك أن الأزمات السياسية والاجتماعية المتتالية أصبحت ميزة عامة للوضع الداخلي في الكويت، فما نكاد نخرج من أزمة عاصفة حتى ندخل في أخرى أشد منها وأكثر إيلاما، وهو الأمر الذي يتطلب منا جميعا أن نفتح حوارا شفافا وعاما حوله يشارك فيه الجميع بلا استثناء.

Ad

ثم كررنا الدعوة، في مقال آخر بتاريخ 26 مايو 2008، بعيد انتخابات مجلس الأمة، للملتزمين بالنظام الديمقراطي ودستور 1962 من قوى سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، وكتاب رأي، ومهتمين بالشأن العام للبدء بفتح حوار وطني موضوعي هادئ وجاد وشامل وواسع في المنتديات، وعلى صفحات الجرائد، وفي الندوات، والنقاشات العامة، والدواوين حول رؤيتنا كمواطنين وقوى سياسية لمستقبل الكويت؟ أو بمعنى آخر إلى أين تتجه الكويت؟ وذلك لأن مناقشة مستقبل الكويت على الصعد جميعها والتوافق على رؤية وطنية مشتركة هو من المهام الوطنية العاجلة التي نشترك جميعا في تحمل مسؤوليتها لاسيما أن الكويت تتراجع تنمويا وسياسيا عاما بعد آخر، رغم أنها تمتلك مقومات الدولة المعاصرة والمتطورة.

لكن، ومع كل أسف، طغت القضايا التفصيلية السطحية اليومية والمعارك الانتخابية على عمل القوى السياسية، وضعف دور منظمات المجتمع المدني، وانشغل أغلب كتّاب الرأي في الخلافات الشخصية والمماحكات السطحية الفارغة، فلم يعد هناك نقاش جاد حول مستقبل الكويت، إذ غابت النقاشات العلمية والفكرية الرزينة، وتراجعت البرامج السياسية التي تهتم بالمستقبل.

 لكن، وعلى الرغم من كل ذلك فإننا لن نيأس، وسنكرر الدعوة تلو الأخرى لفتح نقاش عام جدي وشفاف حول مستقبل الكويت يشارك فيه الجميع من دون استثناء، مع إيماننا بأنه من الطبيعي والصحي جداً أن يكون بيننا تباين في وجهات النظر حول المستقبل.

 وكما سبق أن بينا، فإن هناك تراجعا مؤسفا في العمل المؤسسي والديمقراطي للدولة الدستورية، أو بمعنى آخر فإن هناك انحرافاً واضحاً في مسارنا الوطني الذي أراد مؤسسو الدولة الكويتية الدستورية الديمقراطية الحديثة في عام 1962 أن تكون عليه الكويت في المستقبل، وهو انحراف لا يستطيع إلا المكابر أن ينكره.

وفي هذا السياق فإن هناك أسئلة كثيرة طرحناها في المقالين الآنفي الذكر من الممكن أن تشكل محاور رئيسة للنقاش العام العلني والشفاف مثل: ما هي، يا ترى، الأسباب التي أدت إلى انحراف بناء الدولة الدستورية المدنية الحديثة التي رسم منهجها دستور 1962؟ ثم كيف نقوم بالإصلاح السياسي لنصحح هذا الانحراف ونجدد الحياة السياسية من أجل قيام مجتمع مدني ديمقراطي يسمح بالتنوع والتعددية كما ينص الدستور؟ وما مستقبل الديمقراطية في الكويت وأي ديمقراطية نريد؟ هل هي الديمقراطية الملتزمة بالدستور والمحافظة على حقوق الأقلية وعلى الحريات العامة وحق الاختيار، أم هي الديمقراطية الصورية التي لا تتعدى أكثر من وضع علامة على ورقة الاقتراع فقط، قد ينتج عنها دكتاتورية الأغلبية التي قد تقرر، بعد وصولها إلى المجلس، تفريغ الدستور من محتواه تمهيداً للانقلاب عليه؟

ثم ما نظرتنا إلى قضايا وقيم مهمة مثل المواطنة الدستورية والهوية الوطنية والوطن، وهي قضايا وقيم تعرضت للتشويه في الفترة الأخيرة؟ وما السبل لتجاوز حالات التفتت الطائفي والقبلي والعائلي من أجل قيام مجتمع تعددي متماسك ومتكامل في إطار وطن واحد يتسع للجميع؟ وكيف نستخدم الثروة المالية الهائلة التي تتوافر لنا الآن، لتحسين مستوى معيشتنا وضمان مستوى معيشة كريمة لأجيالنا القادمة؟ وكيف ننوع مصادر الدخل لخلق بدائل مناسبة للنفط الآيل للنضوب إن عاجلاً أو آجلاً؟ وما خططنا المستقبلية لتعليم نوعي متطور ولرعاية صحية متميزة ولخدمات عامة عالية الجودة؟ ثم هل الوحدة الوطنية واقع معاش أم هي مجرد شعارات فارغة؟ وكما قلنا من قبل فإن هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، تتطلب منا جميعاً وقفة جادة نحاول من خلالها إيجاد إجابات مقنعة إن كنا فعلاً ننتمي إلى الشعوب الحية التي تشخص مشاكلها وتجد لها الحلول... فهل يا ترى نرى نقاشا جادا هذه المرة من أجل مستقبل الكويت؟ نتمنى ذلك.